المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الثلاثاء 28 تشرين الأول 2025 10:29:41
هي مشاهد متقاطعة، بعضها يساهم في تعقيد الصورة، وبعضها الآخر يساهم في تكوينها أو إيضاحها. لكنها ببساطة تشكل طبيعة مركّبة ومعقدة لسياقات العلاقات بين القوى الإقليمية والدولية وتقاطعاتها أو خصوماتها أو تنافسها المشهود في الشرق الأوسط. في المشهد تجدد مصر دورها في المنطقة، متقدمة هذه المرة باتجاه لبنان. تستفيد القاهرة مما تحقق في اتفاق غزة، ودورها هناك، وصولاً إلى نتائج ومقررات قمة شرم الشيخ. في هذا السياق، تأتي زيارة رئيس المخابرات المصرية إلى بيروت، والتي سيلتقي فيها الرؤساء وعدداً من المسؤولين، وهو الذي كان الأسبوع الفائت في إسرائيل والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
مقترح يراعي التوازن
للزيارة المصرية أكثر من بُعد. أولاً، هي تنطلق من تجربة ما تحقق في غزة. ثانياً، لدى مصر مقاربة تستند إلى منطق يكون مقبولاً من الجميع، ولا تقوم على مبدأ الكسر، بمعنى أن هناك قراءة مصرية واضحة حول تغير كل الظروف على مستوى المنطقة، وطرح ملف سلاح حزب الله على الطاولة، ولكن ليس بدافع القوة أو الكسر أو الانقسام، بل انطلاقاً من مسعى إقليمي دولي يمكن أن يحقق النتائج المطلوبة كما حصل في غزة. ثالثاً، هناك فكرة تقديم مقترح جديد قد يكون مشابهاً لمقترح غزة، ويختلف عن الورقة التي قدمها سابقاً الموفد الأميركي توم باراك، على أن تتضمن الورقة الجديدة جدولاً للانسحاب الإسرائيلي من لبنان موزعة على خطوط أو نقاط، بمعنى وضع جدول تدريجي للانسحاب في مقابل وضع جدول تدريجي لعمية حصر السلاح.
الاستقرار والحل المقبول
هذا المسعى، ينطلق من سعي مصري إلى الحفاظ على الاستقرار والتوازن في المنطقة، وتجنب الاختلال في موازين القوى، لأنه سيُنتج صدامات ومواجهات تؤدي إلى ضرب الاستقرار ككل. وفي هذا السياق، فإن الزيارة المصرية ستشير إلى اهتمام القاهرة بالملف اللبناني من جهة، إلى جانب السعي لتعزيز دور مصر على مستوى المنطقة، بما يوفر فرصة للدولة اللبنانية كي تصل إلى معالجة ملف السلاح وكل الملفات العالقة. وذلك لا ينفصل عن كمِّ التهديدات والتسريبات التي تصدر نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين أو عن ديبلوماسيين يعملون على توجيه رسائل مباشرة تحذر من شن عملية عسكرية إسرائيلية واسعة ضد الحزب وسيتضرر منها لبنان ككل. وهذه الرسائل والتحذيرات هي جزء أساسي من الطرح الذي سيتم تقديمه على قاعدة وجوب تجنّب التصعيد والتوصل إلى حلّ مقبول.
إسرائيل تنسحب.. والحزب يتحول سياسياً
يعني ذلك أن الحلّ المطروح سيكون مشابهاً لطرح الحل في غزة، فلا يقوم على التهجير ولا على استكمال الحرب بل بالبحث عن حلول سياسية، تبدأ بضمان انسحاب إسرائيل، ووقف الضربات والاعتداءات. وذلك لا ينفصل عن مواقف دولية كثيرة تشير إلى ضرورة أن يتحول حزب الله إلى حزب سياسي ويتخلى عن العمل العسكري. وهو أيضاً ما تسعى إليه دول عديدة مع حركة حماس التي لا تزال حتى الآن تتمسك بخيار المقاومة في انتظار ولادة الدولة الفلسطينية. وتكثر الدعوات الخارجية إلى حزب الله كي يحصر عمله بالشق السياسي، ويحل الجناح العسكري ويتخلى عن السلاح، بينما الحزب يتحدث عن الاستعداد لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية ودمج قوته بالجيش اللبناني والأجهزة الرسمية.
مفاوضة الحزب.. كما حماس
والفكرة التي ينطلق منها هذا الطرح، هو الاستناد إلى التعاطي الواقعي مع حركة حماس في غزة، فهي التي كانت مصنفة إرهابية، وشُنت عليها حرب برعاية دولية لإنهائها، عاد مسؤولوها والتقوا بممثلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفُتحت مفاوضات مباشرة معهم. كما أن البحث عن اليوم التالي في غزة يحصل من خلال التفاوض مع حماس التي ستكون مشاركة من خلال اللجنة المدنية التي يتم العمل على تشكيلها. الطرح نفسه يتم عرضه على حزب الله أيضاً.
مقاربة تلائم لبنان الرسمي
مصر إحدى الدول المشاركة في المجموعة الخماسية المعنية بلبنان، وهي تقوم بمسعاها إنطلاقاً من موقعها هذا وانطلاقاً من قدرتها على التواصل مع مختلف القوى داخل لبنان وخارجه. لكن ذلك أيضاً لا ينفصل عن تكوين الصورة الأوسع في المنطقة، على مستوى الدور والتأثير ومناطق النفوذ. فالمقاربة المصرية قد تلائم قوى عديدة في لبنان ولا سيما الموقف الرسمي اللبناني الذي يتعرض لضغوط كثيرة من جهات خارجية وداخلية، حول ضرورة الإسراع في عملية سحب السلاح، ولو أدى ذلك إلى بعض التشنج أو المواجهة مع حزب الله.
طبيعة العلاقة بين مصر وسوريا
الموقف المصري يشكل ارتياحاً لدى لبنان الرسمي، وهو لا ينفصل عن زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون لمصر، من ضمن زياراته لدول الجوار، التي شملت العراق، الأردن، وقبرص، فيما لا تزال سوريا غائبة عن جدول الزيارات الرسمية للرئيس. ذلك أيضاً يأتي في ظل وجود الرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية للمشاركة في منتدى الاستثمار، فيما يغيب عنه لبنان ومصر، كما أن لبنان وسوريا غابا عن مؤتمر شرم الشيخ، ولذلك تفسيران: الأول هو أن مصر لم تكن متحمسة لمشاركة سوريا، ولذلك لم يكن من الممكن توجيه دعوة إلى لبنان من دون سوريا. والثاني هو أن سوريا لم تُدعَ لأن مصر لم ترد توجيه الدعوة إليها، أما لبنان فلم يُدع لأنه لا يلتزم بالشروط الدولية ضمن مسار عمل "سريع" لتطبيق حصرية السلاح.
من الترسيم مع قبرص إلى "فجر الجرود"
ضمن المشهد القابل للتشكل أيضاً، عودة دور مصر على المستوى السياسي في المنطقة، إلى جانب دورها الأساسي على مستوى الغاز، أو في مدار البحث عن تعزيز خطوط التجارة لديها. وهو ما يعيد إلى الأذهان مرحلة "تحالف دول شرق المتوسط" عندما كان هناك مسعى لإنشاء خط أنابيب من المتوسط باتجاه اوروبا، وهو ما تقاطعت عليه مصر مع قبرص، اليونان، الأردن وإسرائيل. وكان هذا التحالف يتعارض مع سعي تركيا إلى اعتماد الخط التركي باتجاه بلغاريا. وفي هذا السياق، لبنان هو إحدى أبرز الدول التي تنتظر التنقيب عن الغاز في المتوسط، وقد أقر الأسبوع الفائت اتفاقية الترسيم مع قبرص، من دون التفاهم مع تركيا، وقبل إنجاز الترسيم مع سوريا. وللمفارقة، أنه بالتزامن مع إقرار الترسيم، وفي انتظار زيارة وفد سوري موسع إلى بيروت للبحث في ملف الحدود، أقر لبنان طابعاً جديداً تحت اسم "فجر الجرود" بما قد يتم تحميله من معان ربطاً بالمعارك التي خاضها الجيش اللبناني ضد فصائل المعارضة السورية، ومن ضمنها جبهة النصرة حينذاك.
خطوط الغاز والتجارة: الحجاز وقناة السويس
مصر صاحبة دور أساسي في قطاع غزة، وتركيا سعت إلى تكريس نفسها كصاحبة دور أساسي، لكنه مرفوض إسرائيلياً. ويكرر المسؤولون الإسرائيليون مواقفهم الداعية إلى رفض أي دور أو وجود لتركيا في غزة. بينما أنقرة تؤكد أن دورها ووجودها يرتبطان بالتفاهم مع مصر والولايات المتحدة الأميركية. التنافس التركي الإسرائيلي قائم في سوريا أيضاً، بينما تجد أنقرة نفسها أمام علاقة محكومة بالتفاهم مع السعودية في سوريا، وصولاً إلى طرح خط الحجاز الذي فتح خطوط التجارة بينها وبين الخليج، ومن الخليج في اتجاه أوروبا عبرها من خلال الأراضي السورية. وهذا الخط سيكون بديلاً من اعتماد خط البحر الأحمر، وسيؤثر بشكل أو بآخر على مصر وقناة السويس. وأمام كل هذه الخطوط المعقدة والمركبة، فإن لبنان ينتظر أي فرصة دولية لمساعدته على الخروج من الأزمات ولتفادي التصعيد الداخلي أو الخارجي، علماً أن الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة القرار في من سيكون صاحب الدور، على الرغم من التنافس بين جهات إقليمية عديدة لتستبق نيل الموافقة الأميركية على الدور.