مصير الإهراءات: القسم الشمالي للهدم.. والجنوبي يبقى للتاريخ

ما زال مصير الإهراءات في مرفأ بيروت رهن التجاذبات حول كيفية التخلص من الجزء الآيل إلى السقوط حفاظاً على السلامة العامة، وكيفية الحفاظ على جزء منها كشاهد على الانفجار، بما يمثله من ذاكرة جماعية.

لجنة حماية الإهراءات مقتنعة بضرورة هدم الجهة الشمالية، بعدما بات تدعيمها مستحيلاً بسبب الإهمال الذي لحق بها. لكنها تصر على الحفاظ على الجهة الجنوبية كاملة، وعدم ممارسة أي عنف ضد مدينة بيروت من خلال هدم أي جزء من الإهراءات الجنوبية. هذا في وقت يوجد آراء داخل مجلس الوزراء والإدارات المعنية أنه لا يمكن الحفاظ على كل الجهة الجنوبية من النواحي الهندسية والمالية.

طريقة الهدم
وفي جديد الملف بحثت اللجنة فنية المؤلفة من كلّ الإدارات الرسمية تضمّ كل الوزارات ولجنة إدارة الكوارث وإدارة المرفأ، السبل الفنية لهدم الجهة الشمالية. وأكد وزير البيئة ناصر ياسين لـ"المدن" أن اللجنة بحثت كيفية هدم الجهة الشمالية والطرق المناسبة للقيام بهذا الأمر. وطرحت أفكاراً حول إذا كانت ستتم من خلال استخدام معدات ثقيلة مثل كرات الحديد الكبيرة أو آلة "الكمّاشة"، لعدم تعريض العمال والعناصر المواكبة للخطر، أو حتى من خلال تفجير صغير. لكن ما زال هذا الأمر مستبعداً، نظراً لحساسية المسألة نفسياً على اللبنانيين.

وأضاف ياسين أنه يفترض أن يحسم هذا الأمر من اليوم ولغاية يوم الإثنين المقبل كحد أقصى. لأن تدخل الهدم يجب أن يكون سريعاً. لكن المسألة رهن التقارير الفنية والسلامة العامة والكلفة المادية التي يفترض أن يعرض الوزراء المعنيين ومجلس الانماء والأعمار، ليصار إلى تأمين الميزانية اللازمة لها.

تدعيم الجهة الجنوبية
ولفت ياسين إلى أنه بعد هدم الجهة الشمالية الآيلة إلى السقوط، يتم الانتقال إلى رفع الردميات وحبوب القمح. وقد تواصل مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في بيروت، التي تملك "فقاشة صخور"، يمكن استخدامها للتخلص من الكتل الإسمنتية وفرز الحديد والردميات على الأرض فوراً، ليصار إلى معالجتها بيئياً.

وأضاف ياسين أن البحث مع رئيس الحكومة تناول ضرورة تدعيم الجزء الجنوبي للإهراءات، علماً أن مسألة إزالة الحبوب منها ليست سهلة كما يتصورها البعض. فالقمح الذي أزيل سابقاً والذي كان يقدر بنحو 7 أطنان استغرق نحو ثلاثة أشهر. ووعد ميقاتي بتعديل قرار هدم الإهراءات وسن مرسوم ينص على الحفاظ على الجهة الجنوبية، كما أكد ياسين، مشدداً على أنه يتواصل مع زملائه في مجلس الوزراء ومع نقابة المهندسين ونواب بيروت والمجتمع المدني للتوصل لحول مشتركة حول الجهة الجنوبية.

إعادتها إلى لائحة الجرد
نقابة المهندسين تصر على أن الجهة الجنوبية ثابتة وليست بحاجة لأي تدعيم. لكن هناك آراء هندسية في مجلس الوزراء تشير إلى أن المسألة ليست بهذه السهولة. وهذا يحتاج إلى نقاشات بين جميع الأطراف لبحث الموضوع من الناحية الفنية والهندسية والمالية والسلامة العامة والمساحات في المرفأ، وفق ما شرح ياسين.
أستاذة الهندسة المعمارية في الجامعة اللبنانية رنا دبيسي لفتت إلى أنهم يعملون على عريضة لوضع الإهراءات على لائحة الجرد للأبنية التاريخية والتراثية، مستنكرة سحب قرار وزير الثقافة الذي أتخذ سابقاً. وشددت على ضرورة إعادة تفعيل قرار وزير الثقافة. فوضعها على لائحة الجرد يجعلها من ضمن المحميات ويمكن من خلال المنظمات التي تعنى بحماية التراث والآثار تأمين التمويل اللازم للحفاظ عليها.

كسر حلقة العنف
وتابعت أنه يجب الحفاظ على ما تبقى من الإهراءات، لأنها مستقرة منذ انفجار المرفأ ولم يسجل أي حركة. وبالتالي ولا يوجد أي مبرر لهدم أي جزء منها.

واعتبرت أن أي تدخل لهدم أي جزء من الجهة الجنوبية المستقرة بمثابة فعل عنف يمارس على المدينة. وأي قرار في هذا الشأن بمثابة إمعان في العنف تجاه اللبنانيين ومدينتهم.

وشددت على ضرورة الحفاظ على الشواهد والمعالم للمدينة وأهلها. فمنذ الحرب الأهلية وما قبلها من أحداث لا يوجد أي معلم واحد لتلك البشاعات والعنف الذي مورس. ومن جيل إلى آخر ينسى الحدث، وتتجدد إمكانية تكرار العنف الذي مورس سابقاً. وبالتالي لا بد من كسر هذه الحلقة، والشواهد والمعالم أساسية لكسرها من خلال الحفاظ على المعالم وإظهار بشاعة العنف.