مصير سلاح "الحزب" شمال الليطاني: الجيش يستعد للمهمة الأصعب

منذ دخول وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ في السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي، لم يلتق قائد الجيش العماد جوزف عون رئيس مجلس النواب نبيه برّي، حتى زاره بالأمس في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة في بيروت.

الجيش والغطاء السياسي
زيارة العماد عون لبرّي تأتي بعد أيام من جلسة التمديد له لسنة إضافية. زيارة قيل أنّ قائد الجيش يسعى من خلالها لأخذ الغطاء السياسي من رئيس المجلس لآلية انتشار الجيش في الجنوب، لاسيّما وأنّ هذه العملية تأتي بالتوازي مع انسحاب مقاتلي حزب الله مع سلاحهم من منطقة العمليات الحدودية جنوب الليطاني.
في ما رشح من معلومات عن اللقاء، فالغطاء الحكومي الذي حصل عليه قائد الجيش للتحرك جنوباً، حصل عليه سياسياً من الرئيس برّي، كرئيس للسطلة التشريعية في غياب رئيس الجمهورية، والأهمّ بما يمثّل على مستوى توليه التفاوض مكلّفاً من حزب الله.
بناء عليه، وضع العماد عون الرئيس برّي في تفاصيل عمل الجيش من ضمن الآليات التطبيقية التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار، من ضمن مندرجات القرار الدولي 1701. وكما أطلعه على الوضع الأمني جنوباً، كذلك على الأوضاع على مستوى كلّ لبنان ولاسيّما منطقة الشمال، التي تتجه إليها الأنظار الأمنية والعسكرية اليوم في ظلّ التطورات السورية.
"الزيارة إلى عين التينة اليوم هي أكثر من ضرورة،" حسب مصادر مطلعة على اتصالات الرئيس برّي وحراك قائد الجيش. "فالتحديات تزداد والجيش يعمل على أكثر من جبهة بين الجنوب والشمال وعلى ما تبقّى من حدود برية وفي الداخل لمنع خروج أيّ وضع مستجدّ أو غير محسوب عن السيطرة".

خريطة الانتشار
على مستوى خريطة الانتشار جنوباً، علمت "المدن" أنّ الجيش نشر منذ وقف إطلاق النار وإلى اليوم سريتين تابعتين لفوج المغاوير في القطاعين الشرقي والغربي. كما عزّز اللواءين الخامس والسابع وفوج التدخل الخامس بوحدات من فوج التدخل الثاني في كلّ من مرجعيون والقطاع الغربي.
وبانتظار استكمال عقد اللجنة الخماسية وانضمام ممثّل فرنسا إلى رئيس اللجنة الأميركي واللجنة الثلاثية اللبنانية الإسرائيلية والأممية، أصبح هناك ما لا يقلّ عن 5000 عسكري منتشراً في الجنوب. ومنذ يومين وبتوقيع وزير الدفاع موريس سليم تطويع 1500 جندي، يبدأ الجيش تنفيذ المرحلة الأولى من خطّته ببدء هذا التطويع وتدريب العناصر ومن ثم التحاقهم برفاقهم وتوزيعهم على قطعات الجيش ومراكزه التي بدأت بدورها تتعزز، والخطّة التي يبقي الجيش على قالبها العسكري الأساسي سرياً، حدّدت خريطة المواقع والتمركز على طول الحدود من فلسطين المحتلة وفي الداخل الجنوبي أيضاً.
وتقول المصادر "أنّ تنفيذ المراحل اللاحقة والتي بنتيجتها يصبح عديد الجيش المنتشر جنوب قطاع الليطاني 10 آلاف جندي، ينتظر إطلاق عمل اللجنة الخماسية والذي بحسب المعلومات لن يكون متأخّراً. فالجنرال الأميركي أصبح في لبنان، وبيروت تنتظر ممثل الدولة الفرنسية لينضم إلى الأعضاء الآخرين. عندها يتقدم الجيش باتجاه الحدود ويبدأ الجيش الإسرائيلي بالانسحاب بالموازاة ليتمركز الجيش في المواقع التي كان الإسرائيلي احتلّها". لم تشأ المصادر المطّلعة على آلية عمل الجيش الميدانية الخوض في تفاصيل التعاطي مع حزب الله على الأرض. لكن في القليل الذي أفصح عنه -حسب المصادر- هو "إنّ مقاتلي الحزب سيستكملون انسحابهم مع سلاحهم، وسيخلون المواقع التي كانوا يتمركزون فيها إلى ما بعد شمال الليطاني".
وفي هذا الإطار توضح أوساط سياسية ديبلوماسية معنية بالاتصالات المواكبة لاتفاق وقف إطلاق النار، قائلة "حالياً، لا يزال هناك تواجد لمقاتلي حزب الله في بعض المواقع الداخلية البعيدة عن الحدود وعن النقاط التي يحتلّها الجيش الإسرائيلي".

مستقبل حزب الله شمال الليطاني؟
السؤال المطروح اليوم في الأوساط السياسية وبقوّة، ماذا بعد انسحاب السلاح إلى شمال الليطاني؟
فاتفاقية وقف إطلاق النار تؤكد على ألّا وجود لأيّ سلاح على الأراضي اللبنانية كافّة إلّا للسلاح الشرعي. وبحسب المعنيين، تبقى القضية الأهم أنّه "في حال انسحب حزب الله إلى شمال الليطاني، هل سيسلّم سلاحه إلى الجيش المنتشر على الأراضي اللبنانية الأخرى؟ هذا الأمر يخضع لقرار سياسي يحتاجه الجيش لتنفيذ المهمّة، وليس أيّ قرار. هو قرار جامع يجنّب البلد خطر الانزلاق إلى ما لا يريده أحد على مستوى السلم والاستقرار الداخليين".
إلى الآن لم تتضح التوجهات. ولهذا لا بد من العودة إلى الغطاء السياسي الذي يتحصّن به الجيش أكان من الحكومة مجتمعة ومن الرئيس بري على وجه الخصوص. فهو الغطاء نفسه الذي يحتاجه في توسيع مهمّة حصر السلاح بيد الأجهزة الشرعية على مستوى كلّ لبنان.
لا يمكن أن يغفل أحد، أنّه كما للجيش عين على الجنوب، كذلك للجيش عين أخرى على الحدود الشمالية مع سوريا. وفي هذا الإطار، علمت "المدن" أنّ الجيش كثّف مراقبته العسكرية والمخابراتية لتلك المنطقة، استباقاً لأي تسلّل أو تمدّد للنيران السورية المتجدّدة إلى داخل الأراضي اللبنانية. وأيضاً هنا يتحصن قائد الجيش بالغطاء السياسي الكامل لمنع تكرار ما عاشه لبنان منذ اندلاع الحرب في سوريا في العام 2011، ولاسيما ما واجهه من تسلّل ونشاطات للمجموعات الإرهابية على أراضيه منذ العام 2014.
من الجنوب إلى الشمال مروراً بالبقاع ينتشر الجيش اللبناني، في مهمة قد تكون الأهم له في إطار حماية البلاد واستعادة سلطة الدولة على كامل أراضيها.