مصير لبنان لا تحدّده التسويات بل نتائج الإنتخابات النيابية

رغم التسويات، أو شبه التسويات الإقليمية - الدولية، التي فكّت أَسْر الحكومة اللبنانية، إلا أن أكثر ما قد يُثير الاهتمام خلال المدّة القليلة القادمة، هو مراقبة شكل التعاطي اللبناني المُمكن مع "صندوق النّقد الدولي"؟

فكيف يُمكن لـ "صندوق" من هذا النّوع، أن يدخل الى مساحة جغرافية صغيرة، للتعاطي مع دولتَيْن، بتوجُّهَيْن مُختلفَيْن، لا يجتمعان إلا لتقدّم الواحدة فروض الطاعة للأخرى؟ 

دولتان

ففي لبنان، دولة تتشاغل بالدّعم وبموعد رفعه، وببطاقة تمويلية، وبـ "إعادة إعمار" القطاع المصرفي، وبإصلاحات معيّنة، مقابل أخرى تسيطر على الحدود، وترفض وقف التهريب، وما كان ينقصها إلا إدخال المحروقات الإيرانية الى البلد، عبر الحدود، لتُحكِم (تلك الأخرى) قبضتها عليها (الحدود)، ولتستكمل عمليات التهريب تحت "جنح ظلام" تلك المحروقات.

فضلاً عن أن الدولة الأخرى، قد تقبل بإصلاحات تتعلّق بالكهرباء مثلاً، ولكن من المستحيل أن تسير ولو الى منتصف الطريق، في ما يتعلّق بأمور أخرى، تسهيلاً للعمل مع "صندوق النّقد الدولي". كما أنها تحوم حول القطاع المصرفي بشكل مستمرّ، وبطُرُق وأشكال كثيرة. 

تجارب

فالى أين يأتي القيّمون على "صندوق النّقد الدولي"؟ ومن سيُفاوضون؟ وكيف يُمكنهم العمل مع حكومة، هي عملياً للدولة الأولى، ولكنّها ما كانت وُلِدَت لولا أن للأخرى ما لها فيها، وعليها؟

لبنان أرض التجارب الكثيرة، فعلاً. فهل ينجح "صندوق النّقد" بالتفاوُض مع دولتَيْن، إحداهما حول الطاولة "تدّفي" الكراسي، والأخرى عليها، وهي (الأخرى) التي تحسم القرار النّهائي، حول البرنامج؟ 

لن يتغيّر

شدّد مصدر مُطَّلِع على أنه "مهما نُسِجَت تسويات محلية - إقليمية - دولية، فإنه لا يمكن أن يستقيم الوضع في لبنان مستقبلاً، ولا بأي شكل من الأشكال، إلا إذا حُسِمَ مشروع الدولة على حساب الدويلة".

ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "لبنان ما كان ليصل الى الانهيار الذي هو فيه حالياً، إلا كنتيجة طبيعية لمشروع الدويلة، الذي يفتح الحدود للتهريب ويشرعنه، ويتعاطى مع محور معزول، لا يحضر عالمياً إلا بعد تسويات، وشبه اتّفاقات، ليعود وينزوي مرات ومرات. فهذا كلّه برهن أنه غير قادر إلا على جَلْب الفشل للبنان. ولن يتغيّر هذا الواقع اليوم، سواء بمفاوضات لبنانية مع "صندوق النّقد الدولي" من ضمن تسوية، أو من دون تلك المفاوضات". 

لن يتنفّس

وأكد المصدر أنه "من المفترض أن يكون الشعب اللبناني أدرك خطورة وكارثية هذا المشروع، وأن ما سيقدّمه لن يتجاوز الفشل والأزمات والفوضى، والافتقار الى كل شيء مجدّداً، ولو بعد سنوات. ولذلك، لا بدّ من إقفال الأبواب أمامه بنتائج الإنتخابات النيابية بعد أشهر، حتى ولو نسج تسويات في هذه المرحلة، أو تلك".

وأضاف:"لبنان لن يتنفّس إلا إذا انفتح على المجتمع الدولي، وعلى الإقتصاد الدولي وشروطه. ولا مجال لذلك، بموازاة الاحتفاظ بمشروع الدويلة. وهذا ما سيكون الجميع مُجْبَراً على العمل بموجبه، سواء في الداخل أو الخارج، مهما طال الزّمن". 

العمل الجدّي

وأشار المصدر الى أن "من يحدّد مصير لبنان ليس التسويات المحلية - الخارجية، بل نتائج تصويت الشعب اللبناني القادرة على إجبار الجميع على تعديلها (التسويات) أو تغييرها. لا يُمكن لتسوية أن تسيطر على إرادة شعب، إذا كان هو يحدّد مصيره في صناديق الإقتراع، بطريقة سليمة. فغياب الشعب على مرّ السنوات، هو الذي أسقط الدولة بيد الدويلة، وأنعش الإحتلالات المختلفة".

وردّاً على سؤال حول ما إذا كان العمل الجدّي، إقتصادياً ومالياً وسياسياً، لن يبدأ إلا بعد أيار 2022، أي بعد إعلان نتائج الإنتخابات النيابية، أجاب:"اللبنانيون هم الذين أخرجوا الجيش السوري من لبنان في عام 2005، وذلك بالصّلابة والمثابرة التي أظهروها لتحقيق هذا الهدف بين 14 شباط، و14 آذار، 2005. وهو ما جعل الإدارة الأميركية تتبنّى الإنسحاب السوري من لبنان، كاستراتيجيا أميركية للمرحلة اللاحقة، وليس على سبيل تحقيق هدف مرحلي فقط. وهذا ما حصل بالفعل".

وختم:"الأمر نفسه تكرّر في 17 تشرين الأول 2019، عندما لفت الشعب اللبناني المُنتفِض الإنتباه، الى ضرورة إنهاء الفساد، أي مشروع الدويلة في لبنان. وإرادة اللبنانيين في أيار 2022، هي التي ستحدّد موقعه (لبنان) من التسويات، ونمط عيشهم القادم، وستشكّل الموعد الفعلي لبَدْء العمل الجدّي".