بعد أقل من ساعة على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية، أول من أمس، ظهرت على مجموعات «واتساب» عروضات لشراء الدولار من السوق بأسعار أعلى من السعر الرائج. بعض الطلبات لم تحدّد سقفاً للسعر، بل عرض شراء كل الكمية المتاحة، في مؤشر إلى نيّات للتلاعب بسعر الصرف وتحقيق أرباح من عمليات المضاربة.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن محاولات التلاعب بالسعر لم تتوقف، لكن بعض المضاربين عبّروا عن إحباطهم من التجاوب المحدود في السوق، مشيرين إلى أن السعر كان يفترض أن يرتفع إلى 125 ألف ليرة لو كان هناك ما يسمّى «غروب العاصمة»، أي ما كان يطلق عليه «سوق الكشف» التي كانت منصّة للتداول عبر مجموعات منتشرة على تطبيق «واتساب» تقوم بمزايدات على السعر، معظمها وهمي بهدف رفع قيمة الدولار مقابل الليرة، ما يحقّق للمزايدين أرباحاً هائلة من تقلّبات سعر الصرف.
وسبق أن أوقف فرع المعلومات، مطلع السنة الماضية، أكثر من 20 صرافاً كان يعملون من خلال «سوق الكشف»، إذ كانوا يحجزون عمليات شراء الدولار لعدّة أيام متتالية عبر تثبيت طلب مبالغ كبيرة بسعر مرتفع، ثم يبيعون الكميات التي جمعوها عندما يرتفع السعر إلى سقف معيّن. يومها أظهرت التحقيقات أن «سوق الكشف» يتألف من مجموعات منتشرة على تطبيق واتساب، وهي: «العاصمة»، «الجنوب»، «٧٢»، «الروليت»، «Bingo»، «بيروت الكشف». كلما اشترت هذه المجموعات الدولارات، كان سعر الصرف يرتفع أكثر، ثم تباع الكميات للشركات التي كان يعمل معها مصرف لبنان بالسعر الأعلى، والكل كان يتربّح من هذه المضاربات.
إذاً، لماذا فشل المضاربون اليوم في رفع سعر الدولار؟ وفق العاملين في هذا المجال، فإن الظروف تغيّرت، إذ إن استغلال الأحداث السياسية والأمنية الجارية اليوم يأتي في سياق استقرار، ولو هشّ، لسعر الدولار مقابل الليرة. كما أن آليات مصرف لبنان في امتصاص الليرات وتجفيفها من السوق، كان لها مفعول قوي في تقليص الكميات التي يمكن عرضها في السوق لشراء الدولارات، إذ إنه يستعمل الأدوات الضريبية لتجفيف الدولارات من السوق. كما أن أسواق لبنان أصبحت مدولرة بشكل شبه كامل. فالأجور والرواتب التي يدفعها القطاع الخاص في معظمها تدفع بالدولار النقدي، والسلع المبيعة هي بالدولار النقدي أيضاً، ما يعني أن رأس المال والأرباح التجارية هي بالدولار النقدي.
عملياً، لم يبق خارج الدولرة النقدية إلا موظفو القطاع العام الذين يعدّون المتضرّر شبه الوحيد من ارتفاع سعر الصرف، وبعض الأعمال التي يؤدّيها مورّدون للدولة اللبنانية.
هكذا، يظهر أنه رغم كل هذه الدولرة، ما زالت محاولات التلاعب بسعر الصرف مستمرة وأن سعر الصرف ما زال يمثّل، ولو معنوياً، عنصراً محورياً يمكن من خلال التلاعب فيه تحقيق أرباح فورية للمضاربين وللتجار الذين يدفعون الضريبة بالليرة اللبنانية.