معارضو الرأي السوريون في السجون اللبنانية يسألون عن مصيرهم ...هل دقت ساعة الحرية؟

في وقت كان السوريون مع عناصر من هيئة تحرير الشام يقتحمون أسوار معتقلات نظام الأسد في صيدنايا وحمص وحماه واللاذقية، وشريط الصور التي تنشر عبر وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي تظهرفرحة أهالي المعتقلين الخارجين إلى الحرية بعد عقود من الإنتظار والخوف،كان إبن الثمانية أعوام الذي ولد في لبنان من أبوين سوريين معارضيين وصلا إلى لبنان هربا من القمع والظلم يتابع هذه المشاهد ويسأل: "البابا راح يطلع معن؟".

لم يدرك الطفل أن والده الذي يزوره دوريا مع والدته يقبع في سجن رومية وليس في أحد معتقلات الأسد في سوريا. لكن التهمة واحدة وإن اختلفت ظروف السجن والزمان: معتقل الرأي الحر.

قبل أشهر انضم والد الطفل إلى حملة "الإمعاء الخاوية" في سجن رومية، وأعلن مع زملاء له وعددهم 400 من معتقلي الرأي في السجن إضرابا عن الطعام احتجاجاً على "فقدان 10 معتقلين سوريين نتيجة الوضع الصعب وانعدام الرعاية الصحية"، وفقاً لما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان. وكان مقررا أن يستمر الإضراب عن الطعام "إلى حين تحقيق مطالبهم الإنسانية على المستويين الصحي والغذائي كونهم يعانون – كما كل السجناء في رومية. لكن "تلفيق التهم ومحاسبتهم على ذنب لم يُقترف وحرمانهم من المحاكمة العادلة ومن حق رؤية ذويهم، وكذلك من التعذيب النفسي والجسدي، في ظل تنصل ولامبالاة في معالجة ملفهم وغياب دور المنظمات الحقوقية والإنسانية في متابعة هذا الملف" كان أكثر ما يعانيه معتقلو الرأي الحر.

اليوم يطلق هذا المعتقل صرخته من داخل سجن رومية عبر موكله،" قبل 7 أعوام اعتقل على خلفية معارضته للديكتاتور الطاغية بشار الأسد. وحتى اليوم لم  يخضع للمحاكمة. صحيح ان فرحته بتحرير سوريا وشعبها من حكم الطاغية لا توصف، لكنه يخشى على مصيره. واليوم يسأل بعدما سقط النظام وهرب بشار ماذا عن مصيره كمعتقل رأي في السجون اللبنانية ويدرك جيدا أن الموضوع في أيدي القضاء اللبناني ، وينقل عن أحد السجناء مطالبته الدولة اللبنانية بفك أسر كل سجناء الرأي  ونقلهم إلى دمشق لأنهم يعانون الأمرين، خصوصا وهم يتابعون إحتفالات النصر والتحرير التي تعمّ شوارع سوريا".

التهمة التي وُجهت إلى غالبية سجناء الرأي السوريين في سجن رومية هي المشاركة في أحداث عرسال عام 2014، والانضمام إلى تنظيمات مصنفة إرهابية، أو معارضة نظام بشار الأسد ومشاركتهم في الحرب السورية، ويقبع بعض هؤلاء خلف القضبان منذ عام 2013 من دون محاكمات عادلة أو تقدم ملحوظ في قضاياهم".

وتكشف مصادر قريبة من هؤلاء لـ"المركزية" عن "سياسة ممنهجة تتبعها بعض السلطات الأمنية اللبنانية، تستهدف معارضي نظام الأسد، حيث تم على حد قولها "تلفيق" أدلة ضدهم وتقديمهم لمحاكمات صورية، إضافة إلى تعرضهم للتعذيب خلال استجوابهم، وهو ما تجسد بوضوح في قضية بشار السعود، الذي لقي حتفه عام 2022 نتيجة التعذيب الذي تعرض له".

مدير برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات المحامي محمد صبلوح يشير الى أن نسبة السجناء السوريين في لبنان تصل إلى 36 في المئة غالبيتهم من معارضي الرأي ومتهمين بالمشاركة في أحداث عرسال. ومنذ أعوام يرفع السوريون المعارضون لنظام بشار الأسد في سجن رومية الصوت مطالبين بوضع حد لمأساتهم، ولكن بدلاً من إصدار أحكام بحقهم كلّفت الحكومة اللبنانية، المدير العام للأمن العام بالإنابة، اللواء إلياس البيسري، في نيسان الماضي، بإعادة التواصل مع السلطات السورية لحل قضية السجناء والمحكومين السوريين في السجون اللبنانية، أي تسليمهم للنظام السوري.

يضيف صبلوح:" آنذاك سلّمت السلطات اللبنانية معتقلين سوريين إلى النظام السوري، ما دفع بأربعة سجناء سوريين في سجن رومية إلى محاولة الانتحار في آذار الماضي،عن طريق استخدام الأغطية كأدوات للشنق، قبل إنقاذهم في اللحظات الأخيرة".

ويعقب بأن"معتقلي الرأي السوريين مشمولون باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب الصادرة عام 1984، وتنص على منع تسليم أي شخص يمكن أن يتعرض للتعذيب في بلده"، موضحاً أن "تحركات السجناء السوريين نجحت في تجميد خطوة الحكومة اللبنانية، مما يشكل انتصاراً موقتاً في معركتهم ضد التسليم القسري، على أمل أن يتخذ قرار إنساني في ظل التغيرات التي حصلت في سوريا بحلّ ملّفهم عما قريب".

من العقبات القانونية التي تحول دون تسليم السجناء السوريين ، امتناع الدولة التي يحمل السجناء جنسيتها تسلمهم .ويرى صبلوح ان الحل الأمثل تخفيض السنة السجنية إلى 6 أشهر شرط أن تكون صدرت في حقهم أحكام قضائية وتطبيق نصّ المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تستوجب إخلاء سبيل الموقوف بجنحة إذا مضى على توقيفه شهران من دون صدور الحكم، وإطلاق سراح الموقوف بجناية بعد 6 أشهر من توقيفه ما لم يكن صدر حكم بحقه، مع إمكانية تمديد مهلة التوقيف الاحتياطي لمدة مماثلة مرّة واحدة.

امتناع المحاكم المختصة عن تقصير فترات التوقيف الاحتياطي على رغم تردي ظروف السجون وطول أمد بعض المحاكمات لا يزال سيد الموقف، لكن ثمة طاقة أمل تتمثل بالتغييرات التي حصلت في سوريا"وهذا يتوقف على مدى إيلاء حكومة سوريا الإنتقالية الإهتمام رسميا بملف سجناء معتقلي الرأي في السجون اللبنانية، وعلى الدولة اللبنانية لجهة إصدار قانون عفو عام سيشمل حتما السجناء السوريين أو إصدار قانون تخفيض السنة السجنية ".

مصادر خاصة لـ"المركزية" تشير أن الحكومة الإنتقالية في سوريا وضعت أمامها ملف السجناء السوريين في لبنان وتحديدا "معارضي الرأي" كونهم يشكلون ورقة ضغط إيجابية للحكم الجديد.وتبقى العبرة في التنفيذ.