معارك عائلية وحزبية في البقاع الأوسط بمواجهة حزب الله

اضطر مهندسو اللائحة الانتخابية لبلدية عنجر – حوش موسى في قضاء زحلة انتظار إنتهاء المهلة الرسمية لسحب الترشيحات، لإعلان فوز مجلسه بالتزكية كما جرت العادة. فالتنافس غير مستحب في بلدة عنجر، حيث خيارات المواطنين يحددها حزب الطشناق الأقوى في المجتمعات الأرمنية عموماً. ولكن الجهود التي بذلها الطاشناق هذه المرة لم تكن سهلة. بل برزت حالة اعتراضية غير مكتملة في البلدة، كشفت عن تململ غير معلن في مجتمعها شبه الأحادي، يطالب بأن تبقى الانتخابات البلدية متنفسا، تعبّر من خلاله العائلات عن وجهة صوتها إنمائياً، والذي وإن خالف موقف "الحزب"، إلا أنه لا يفسد في الود قضية.

ترشيحات فردية لمنع التزكية
انضمت عنجر إلى كل من بلديات شهابية الفاعور، دير الغزال، وماسا، وهي البلديات الوحيدة في قضاء زحلة التي فازت مجالسها بالتزكية. كما أعلنت وزارة الداخلية عن فوز 23 مختاراً بالتزكية أيضاً. هذا في وقت تسيطر على سهل البقاع عموماً حماوة إنتخابية، يترجمها في بعض القرى بحر من الصور المرفوعة للمتنافسين، وخصوصاً للانتخابات الاختيارية.

في علي النهري، لم تحسم المعركة بعد. كان أهلها يتوقعون سحب الترشيحات الفردية بوجه لائحتها العائلية الموحدة التي يرعاها حزب الله تحت مسمى "التنمية والوفاء". وفي حال عدم سحب الترشيحات الفردية حتى مساء السبت المقبل، فإن ناخبيها سيكونون مضطرين للتوجه إلى صناديق الإقتراع، حتى لو أن ظروف المعركة غير المتكافئة ستنعكس على نسبة الإقتراع في المدينة.

القنبلة الأكبر التي جرى تفجيرها بوجه حزب الله، كانت في بلدة رياق- حوش حالا وانتخاباتها البلدية. إذ تعيش البلدة في حالة إحباط مسيحي عميق، عبرت عنه الانسحابات التي حدثت في اللحظات الأخيرة التي سبقت المهل المحددة. وصدر بيان عن أهالي البلدتين المسيحيتين يوم الثلثاء، يدعو إلى مقاطعة مسيحية شاملة لهذه الانتخابات. والسبب هو تفرد ما سمي بـ "العائلات المسلمة" بالخروج عن التوافق الذي ساد على اسم القاضي فادي عنيسي لرئاسة البلدية، وانقلابهم في اللحظة الأخيرة على هذا التوافق عبر فرض شروط إضافية.

وكان اسم عنيسي قد طرح كمرشح توافقي، إثر الاعتراضات التي واجهت ترشيح إيلي معلوف للرئاسة من خارج العرف السائد بأن تكون الرئاسة لحوش حالا ونيابة الرئاسة لرياق. فانسحب المعلوف، بعد أن حقق هدفه في إحداث صدمة إيجابية. واستعادت المعركة الحماسة المسيحية في الإمساك بزمام تسمية رئيس البلدية، بعد تغييرات ديموغرافية جعلت القرار محصوراً لسنوات بيد حزب الله.

وعليه فإن سقوط التوافق، جعل الأجواء قاتمة في رياق قبل أيام من فتح صناديق الاقتراع، ويتخوف البعض من أن تتسبب الانتخابات البلدية بما فشل به العدوان الإسرائيلي لجهة إحداث شرخ مذهبي بين أبناء البلدة المسلمين والمسيحيين.

معارك عائلية
خلافاً لهذه الصورة في البلدتين، لا تخرج المعركة في بلدات الشريط المحاذي لسلسلة جبال لبنان الشرقية عن طابعها العائلي. لا دور للأحزاب السياسية في معارك قوسايا، رعيت، وعين كفرزبد، وكفرزبد.  بل تحكمها التوازنات العائلية والأعراف، التي تم الإلتزام بها، وإن كان ما يميزها في رعيت حضور الوجه النسائي، وخصوصا في لائحة "الوفا بيجمعنا" التي رشحت أربع سيدات. أما في عين كفرزبد فقد جرى احترام العرف السائد حول تداول رئاسة البلدية والمخترة بين المسيحيين ومسلمي البلدة، وعليه ستذهب الرئاسة هذه المرة  لمسلم شيعي والمخترة لمسيحي، وهو ما حصر المعركة على الرئاسة بين مرشحين من آل الساحلي، يحظى أحدهما بدعم أكبر من أهالي البلدة.

غير أن معركة كفرزبد تبدو سابقة في عدد المرشحين لرئاسة البلدية الذين تقدمهم من خلال لائحتين فقط. وهو ما يعكس شهية العائلات المفتوحة على رئاسة البلدية، وعدم قدرتها على التوصل إلى توافق بعيد عن تقاسم الحصص. ففي لائحة واحدة، يتقاسم الرئاسة ثلاثة مرشحين من عائلات شكر وسلوم ويونس، بمعدل ثلاث سنوات لحسن شكر، وسنتين لأياد سلوم، وسنة ليوسف يونس. والأمر مشابه في اللائحة الثانية حيث التوافق على تقاسم الرئاسة بمعدل سنتين لكل من المرشحين عمر الخطيب، أحمد الخطيب وهشام شكر.

تدخل قواتي عوني
تربل، التي تستريح على المنبسط السهلي لهذه القرى، ستشهد معركتها الأولى بعد تخفيفها من عبء الناخبين من العشائر العربية المجنسة اثر فصل شهابية الفاعور التي فازت بالتزكية، عن بلديتها. ولكن ملامح التدخل الحزبي لا تغيب عن معركتها البلدية، وهي تتجلى في لائحة "تربل بتجمعنا" التي يرأسها كابي فرج "الكاثوليكي" من خلال ترشح وجوه حزبية بارزة في التيار الوطني الحر، فيما يبدو الثقل القواتي في لائحة "تربل أولاً" التي يرأسها طوني الخوري "الماروني"، هذا في وقت تبدو أكبر عائلات البلدة "السغبيني" منقسمة على اللائحتين.

على خط زحلة – بعلبك، يبدو المشهد متمايزاً في بعض القرى. ففي الفرزل أصيبت جهود التوفيق التي جرت برعاية النائب ميشال ضاهر والقوات اللبنانية بانتكاسة، جراء الفوقية التي مورست بفرض القرارات في بعض العائلات. فخرجت أصوات اعتراضية بوجه لائحة "معاً لفرزل أفضل" التوافقية والتي اتفق على تقاسم رئاستها بين رئيس البلدية الحالي ملحم الغصان وجورج نصرالله. والمقرر تشكيل لائحة ثانية غير مكتملة بوجهها. غير أن الصوت المعترض الأبرز في البلدة هو لمختارها جوزف فرح الذي سحب ترشيحه مجدداً، منتصراً، كما قال "لكرامته وكرامة كل عائلات فرزلية مهمشة"، مؤكدا على أن "انسحابه ليس تراجعاً إنما هو موقف معلن بوجه كل من يحاول أن يختزل فرزل بنفسه.

تفلت الجيل الشاب
الأجواء تبدو أكثر هدوءا في أبلح، حيث يتركز مصدر الثقل في واحدة من لائحتين تخوضان المنافسة. بينما تكتسب المعركة في نيحا طابعاً سياسياً غير مباشر، مشابهاً لما يجري في تربل، ويميزها محاولة الشباب التفلت من إقطاعية المال التي كانت تحكم نتائج الانتخابات سابقاً، على أن تتم مداورة الرئاسة بين كافة العائلات. وعليه ستقسم ولاية الرئاسة في البلدة في هذه الدورة بين الطائفتين المارونية والأرثوذكسية. فيترأس لائحة "أوفياء لنيحا" طانوس النجار ومروان المعلوف، ولائحة "ثقافة نيحا" جورج النجار وأديب المعلوف.

أما في بلدة ماسا، فيبدو "حرَد" الأهالي كبيراً من عدم التوصل إلى لائحة توافقية تجمع من بين المرشحين في لائحتين، يترأس كل منهما مرشح من آل السيد، ولذلك يؤكد عدد من الشبان الذين تجمعوا في مكتب المختار الفائز بالتزكية في البلدة محمد فواز خليل، أن الشرط الذي وضع على الرابحين هو أن يغذوا الصندوق البلدي من جيوبهم بالمبلغ الذي حرمت منه البلدية بسبب عدم فوز مجلسها بالتزكية.

التخفف من تشنجات المعركة
على خط زحلة – بيروت، لم يتبدل المشهد في سعدنايل حيث المعركة عائلية بامتياز ومتخففة من التشنجات، خلافا لتعلبايا التي يرتفع فيها الصوت عالياً في وجه رئيس بلديتها السابق جورج صوان الداعم للمرشح للرئاسة أنطوان فياض. لكن من دون أن ينجح المعارضون لتدخل صوان في الانتخابات بإحداث أي خرق في العرف القائم على ترؤس البلدية من مسيحي على أن تكون نيابة الرئاسة لمسلم سني. علماً أن هذا العرف يحظى أيضا بدعم ابن البلدة النائب بلال الحشيمي. وعليه فإن المعركة محصورة حتى الآن بين لائحة يرأسها فياض وأخرى يرأسها سليمان سماحة.

أما معركة شتورا، فقد حسمت تقريباً لمصلحة لائحة "شتورا تستحق" التي يرأسها النقيب ميشال مطران مؤسس غرفة التحكم المروري، وتحظى بشبه إجماع من عائلات البلدة، بوجه مرشحين منفردين.

هذا في وقت تعيش جديتا احتفالية الانتخابات الديمقراطية، التي نجحت في إسقاط كل الادعاءات السابقة بشرخ طائفي ومذهبي في البلدة أدى إلى الغاء انتخاباتها في الدورة الماضية. والتنافس حامي جدا فيها بين لائحة "جديتا بتجمعنا" التي يرأسها العميد ميشال خاطر، و"معاً أقوى" التي يرأسها جورج خزاقة.

معارك العائلات المتجذرة
بلدة مكسة أيضاً توجهت إلى معركة عائلية، مثلها مثل قب الياس، حيث تبدو المعركة حامية أيضا بين لائحة "قول وفعل" التي يرأسها المختار صلاح طالب، ولائحة "علم وعمل" التي يرأسها فادي المعلم.

وننتهي بخط شتورا- المصنع، إذ تبدو برالياس الأكثر وضوحاً في معركتها من خلال الحفاظ على الوجه التقليدي لمعركتها التي تتوزع على ثلاث لوائح، على رأس كل منها مرشح من العائلات التقليدية الثلاث التي تخوض تنافساً حاداً في كل انتخابات، أي عراجي- الميس- وميتا، وعلى رغم الحماوة التي تكتسبها المعركة، فهي لا تخرج عن طابعها العائلي، مع سعي كل طرف لرفع نسبة التصويت، ولتحالفات استراتيجية، من أجل تحقيق الربح. ومن بين هذه الاستراتيجيات تقاسم ولاية الرئاسة ونيابة الرئاسة بين عدة مرشحين.

وتبقى مجدل عنجر التي كثر التداول عن المساعي فيها لتشكيل لائحة توافقية تجمع العائلات وتجنبها معركة، ولكن حالة اعتراضية برزت داخل العائلات من التعاطي الاقطاعي الفوقي لبعض نافذيها مالياً وسياسياً.  فثار مجموعة من الشباب على هذا الأداء داخل عائلاتهم، وقرروا أن يرفعوا صوتهم من خلال تشكيل لائحة منافسة غير مكتملة، فرضت على مجدل عنجر التوجه إلى صناديق الاقتراع يوم الاحد المقبل.