معاناة عاملي المستشفيات تتفاقم.. الرواتب لا تطعم خبزاً

"300 دولار أميركي، كان آخر راتب تقاضيته خلال عملي في إحدى المستشفيات اللبنانية، قبل الحصول على عقد عمل خارج لبنان"، بهذه الكلمات عبّرت إحدى الممرضات التي اضطرت إلى ترك أبنائها في لبنان، والسفر إلى إحدى دول الخليج، لتأمين عائداً مالياً، تستطيع من خلاله تأمين معيشة عائلتها.

يعاني الممرضون والممرضات في لبنان من أزمة حقيقية مع تدني مستويات الرواتب، على الرغم من كل الزيادات التي طرأت على أساس الراتب. بحسب نقابة الممرضين والممرضات في لبنان يبلغ عدد المسجلين في النقابة نحو 21200 ممرض إلا أن العاملين الفعليين في القطاع التمريضي يقارب 10000 ممرض تقريباً فقط، فيما يقدر بحسب إحصاءات غير رسمية، هجرة ما يقارب من 3000 ممرض من القطاع منذ بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019، ورغم ذلك، فإن من بقي في لبنان، لم يحصل على المخصّصات التي تساعده لتأمين عيش كريم.

واقع مرير
يعيش قطاع التمريض واقعاً مريراً، في ظل الرواتب المتدنية، تقول ماريا غطاس وهي ممرّضة: "تعمل الكوادر العلمية بأقصى طاقاتها رغم الصعوبات التي تواجهها إن على مستوى التجهيزات أو ساعات العمل، وأيضا على مستوى الرواتب". وتضيف: يتقاضى الممرضون ما بين 300 إلى 600 دولار في بعض المستشفيات، وهي أرقام، لا تكفي لتسديد إيجار منزل في العاصمة بيروت أو ضواحيها، بعدما تخطت أسعار الإيجارات حاجز 700 و800 دولاراً.

وتتابع الممرّضة القول: نعمل جميعنا كممرّضين بطاقاتنا كاملة، وسط انخفاض أعداد الكوادر البشرية، بسبب تدنّي الرواتب عقب انهيار قيمة العملة. ففي بعض المستشفيات، تعمل ممرضتان فقط في طابق واحد، لمساعدة المرضى.  وتشير إلى أنها في فترات عديدة، تضطر وزميلتها للعمل دوامات متواصلة، خصوصاً في حالات الطوارئ، من دون احتساب زيادة ساعات العمل.

يعمل الممرضون والممرضات لساعات طويلة، وفق غطاس، ولا يتم احتساب قيمة الزيادة على العمل. وفق القوانين المنظمة للمهنة، إذ يتوجب على الممرض أن يقضي 35 ساعة عمل أسبوعياً، إلا أن ذلك مستحيل بحسب غطاس. لا بل تؤكد بأن عدداً كبيراً من الممرضين يعملون لأكثر من 48 ساعة بسبب نقص اليد العاملة، واضطراهم إلى تنفيذ المهام الموكلة إليهم.

كذلك يعيل سامر عياش، ممرض يعمل في إحدى المستشفيات الخاصة في منطقة الجنوب، عائلته وأهله، خصوصاً بعد الحرب الأخيرة، يتقاضى 500 دولار أميركي، يضطر إلى تسديد نحو 350 دولاراً منها إيجار منزل، فيما المبلغ  المتبقي لا يكفي لشراء خبز لإطعام عائلته.

أساليب مختلفة
في الوقت الذي زادت فيه المستشفيات من قيمة التعرفة الطبية، وقيمة التغطيات التي تحصل عليها من المؤسسات الضامنة، إلا أن ذلك لم ينسحب على عدد كبير من الممرضين والعاملين في مستشفيات عديدة ومن بينها مستشفى الروم على سبيل المثال. إذ وبحسب مصادر، بدأ موظفو وممرضو مستشفى الروم، بالتحرك للمطالبة بتحسين أجورهم، التي تكاد لا تكفي للوصول إلى مراكز عملهم. بحسب المصادر، تم التقدّم بعريضة موقعة من عدد كبير من الموظفين والممرضين إلى إدارة المستشفى، من أجل الحصول على زيادة على الرواتب.

وبحسب المصادر، فإن الرواتب التي تتراوح بين 400 و600 دولار بأفضل الأحوال تعد الأقل بين رواتب الكثير من الممرضين في المستشفيات الجامعية الكبرى. بحسب المصادر، فإنه منذ العام 2019، وبعد الانهيار الاقتصادي ورغم رفع التعرفات الإستشفائية أكثر من مرة إلا أن إدارة المستشفى لاتزال متمسكة بجدول رواتب ضعيف، وحتى "إن سعت إلى زيادة الرواتب، فإن الزيادة لا تتعدى 20 إلى 50 دولاراً شهرياً، وهي مبالغ لا تذكر مقارنة مع الغلاء المعيشي" على ما يؤكد أحد المصادر.

ويطالب الممرضون بحسب المصادر بأن تكون رواتبهم متقاربة مع رواتب ممرضين يعملون في مستشفيات أخرى، وهو ما هدفت إليه العريضة ويتلخّص بالسعي للتأثير على إدارة المستشفى لزيادة الرواتب، بما يتناسب ومؤشرات الغلاء المعيشي، والعمل على عودة قيمة الرواتب إلى ما كانت عليه قبل 2019.

وبحسب دراسة صادرة عن نقابة الممرضين والممرضات، يحتاج الممرض إلى ما بين 750 و1000 دولار، حتى يتمكن من تأمين المستلزمات المعيشية الأساسية له ولأسرته.

معايير مختلفة
تغيب القوانين المرعية التي تنظم عمل قطاع التمريض، وتحديداً فيما يخص قيمة الرواتب، خصوصاً وأن الكثير من المستشفيات تستخدم سلطتها الاستنسابية في توزيع الرواتب، إذ يمكن لممرض أن يتقاضى 300 دولار، فيما يحصل زميل له على زيادة تقدر بنحو 50 دولار، فيصبح راتبه 350 دولاراً، لأسباب تتعلق بإدارات المستشفيات، وألية توزيع الرواتب.

تقول نقيبة الممرضين والممرضات في لبنان عبير كردي علامة لـ"المدن": تسعى النقابة إلى تحسين أوضاع الممرضين في المستشفيات، وقد عقدت عدة لقاءات مع إدارات المستشفيات، بهدف زيادة الرواتب إلى ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية، خصوصاً وأنه منذ العام 2019، هوت رواتب هذا القطاع بشكل دراماتيكي.

وتضيف: بالفعل استجابت بعض المستشفيات للمطالب وأعادت العمل بالرواتب السابقة بنسب تتراوح ما بين 75 إلى 100 في المئة، في المقابل، هناك مستشفيات أخرى، لا تزال تحاول التهرب من الالتزام بزيادة الرواتب وخصوصاً المستشفيات في المناطق النائية، إذ لا تزال على سبيل المثال تسدد رواتب ممرضيها بالليرة اللبنانية، وفي أفضل الأحوال لا يتعدى الراتب ما يوازي 400 دولار، على الرغم من الغلاء المعيشي.

بحسب علامة، تسعى النقابة في العام 2025، إلى رفع جميع الرواتب، لما يضمن العيش الكريم، وحتى بالنسبة إلى المستشفيات التي لا تستطيع رفع الرواتب، فقد اقترحت النقابة مساندة الممرضين من خلال زيادات البدلات، أو مد الموظفين ببوالص تأمين، وغيرها من المحفزات التي تساعد الموظف على البقاء.

بالمحصلة دفع واقع الرواتب المتدني في مختلف المستشفيات الكثير من الممرضين والممرضات لمغادرة لبنان والعمل في الخارج، أملاً في إيجاد مستقبل مستقر في مهنة إنسانية ومرهقة في الوقت نفسه.