معركة بدل الإنتاجية مؤجَّلة لأسبوعين: لا مال للدفع؟

انتظَرَ موظّفو الإدارات العامة وأساتذة التعليم الرسمي إقرار مجلس الوزراء "تعويض إنتاجية عن كل يوم حضور فعلي"، وهو زيادة مالية على الرواتب، لكنها لا تدخل في صلبها. ومع أن أي زيادة مُستَحَقّة بمعزل عن تسميتها وشكلها، إلاّ أن قيمتها الشرائية تتبَخَّر قبل إقرارها. وهذا ما يدفع الموظفين إلى رفض إقرارها بصورة عشوائية، وإنما وفق آلية تضمن تحرُّكَها مع ارتفاع سعر صرف الدولار وغلاء الأسعار والتكاليف الأخرى، وعلى رأسها كلفة الاستشفاء.

وأرجأَ المجلس إقرار تعويض الإنتاجية لمزيد من البحث في وزارة المال، ومَرَّرَ بند إعطاء الأساتذة 5 ليترات بنزين يومياً لتسهيل وصولهم إلى المدارس. لكن هذه المحاولة لم ترفع الإضراب المستمر منذ نحو شهرين ونصف الشهر. واللافت أن بدل الإنتاجية لا يشمل الموظفين المتقاعدين، على عكس الزيادات التي كانت تُقَر سابقاً للموظفين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين. وبذلك، تعتبر الدولة أن المتقاعد لا يُنتِج، ولا يستحق بدل إنتاجية.

عدم الإقرار العشوائي
توافَقَ الوزراء في جلسة يوم الاثنين 27 شباط، على تأجيل إقرار مشروع المرسوم المتعلّق بإعطاء تعويض إنتاجية لموظفي الإدارات العامة والعاملين في تعاونية موظفي الدولة، وكذلك مشروع مرسوم تحديد مقدار تعويض النقل اليومي للعاملين في القطاع العام، وأيضاً مشروع مرسوم تعديل مقدار تعويض النقل الشهري المقطوع للعسكريين في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والضابطة الجمركية وشرطة مجلس النواب.

بَرَّرَ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عدم الإقرار بالرغبة في عدم اتخاذ "قرارات ارتجالية". وعليه، كان التأجيل بانتظار "وصول الأرقام الحقيقية من وزارة المال وتحديد حجم الواردات". على أن تعاود الحكومة متابعة الملف "خلال فترة أسبوعين على أقصى حدّ".

ترحيب ورفض
رَحَّبَ الأساتذة بليترات البنزين الخمسة التي ستُعطى "وفق آلية تصدر بقرار مشترك بين وزراء الطاقة والمال والتربية". لكنها غير كافية لحل المعضلة التي تسبَّبَت بإعلانهم الإضراب. فالبنزين هو "مدخل للحل، لكنه مرتبط بباقي البنود، ومنها بدل الإنتاجية والإستشفاء والحوافز الدولارية التي وعدَ بها وزير التربية... وغيرها"، وفق ما أكّده لـ"المدن" أمين سر رابطة التعليم الثانوي الرسمي حيدر خليفة، الذي اعتبر أن عدم إقرار بدل الإنتاجية في جلسة اليوم هو "قلّة مسؤولية. المشكلة غير مستجدّة كي تحتاج المزيد من الدرس والبحث". وبناءً عليه "سيتابع الأساتذة إضرابهم".

في المقلب الآخر، ترفض رئيسة رابطة موظفي الإدارات العامة نوال نصر، فكرة إعطاء بدل الإنتاجية "عوضَ تصحيح الأجور أو إعطاء زيادات عادلة". والحل، حسب ما تقوله لـ"المدن"، ينطلق من تشكيل "منصّة خاصة لرواتب موظفي الإدارات العامة، تتحرّك فيها الرواتب بحسب سعر صرف الدولار، ولا مشكلة إن كان وفق دولار منصة صيرفة أو حتى سعر الصرف الرسمي للدولة. فمن غير المفهوم كيف تحدّد الدولة سعراً رسمياً عند 15 ألف ليرة، وتعطي الموظفين رواتب وفق سعر رسمي عند 1500 ليرة".
استغربت نصر استبعاد الحكومة بحث ملف استشفاء الموظفين "علماً أن الرابطة قدّمت اقتراحاً يقوم على استيراد الدولة للمواد الطبية والاستشفائية بشكل مباشر عبر وزارة الصحة أو الصناديق الضامنة، مما يوفِّر أكلافاً على الموظفين".
تأجيل بتّ بدل الإنتاجية يعني استمرار الموظفين بالإضراب. مع أن "السبب المُعلَن للتأجيل، وهو بحث الملف في وزارة المالية، هو تبرير منطقي لناحية استكمال الدراسات كي لا يكون القرار متسرّعاً".

المتقاعدون غير منتجين؟
لم يُعطِ مرسوم بدل الإنتاجية هذه الزيادة للمتقاعدين. وجاء تأجيل الدفع بحجّة البحث، فرصة لتهدئة الأمور مؤقّتاً مع المتقاعدين. إذ قال ميقاتي أنه "لا نستطيع أن نعطي زيادات وبدلات لفريق دون آخر، ولا أن نعطي بدل إنتاجية من دون أن ننظر إلى المتقاعدين من عسكريين وغيرهم".

وبغياب الردّ من المتقاعدين المدنيين، رفع العسكريون المتقاعدون صوتهم رفضاً لعدم شملهم ببدل الإنتاجية بحجّة انهم لا يعملون. واعتبروا في بيان أنهم "أفنوا أعمارهم في خدمة الدولة والوطن. ويعانون ما يعانيه موظفو الخدمة الفعلية من أوضاع معيشية مزرية لم تعد تطاق". علماً أنهم يرفضون أصل الفكرة، إذ يصفون بدل الإنتاجية بـ"البدعة". وإثر ذلك، دعوا "جميع موظفي القطاع العام في الخدمة الفعلية، إلى عدم القبول بهذه المكرمات الموقتة والمخدرة التي تضرب حقوقهم الأساسية وحقوق المتقاعدين".

لا مال للدفع
حسب المرسوم، سيحصل الموظفون على بدل إنتاجية عن كل يوم حضور، تتفاوت قيمته بحسب الفئات الوظيفية. وسيأخذ الموظفون في الفئة الأولى 800 ألف ليرة، و700 ألف ليرة لموظفي الفئة الثانية، و600 ألف ليرة للفئة الثالثة، 500 ألف ليرة للفئة الرابعة، 400 ألف ليرة للفئة الخامسة ومقدمي الخدمات الفنية.

لكن يستبعد عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي صادق علوية، إقرار البدل "بسبب عدم توفّر الاعتمادات اللازمة له". وحسب ما يقول علوية لـ"المدن"، فإن كلام ميقاتي عن وصول الأرقام الحقيقية من وزارة المال وتحديد حجم الواردات "يدل على عدم توفُّر المال، ولذلك لم يُقَر المرسوم في جلسة اليوم، ولن يُقَر لاحقاً".
وبشكل عام، يرى علوية أنه "لا يجوز للحكومة الإنفاق في ظل غياب قانون يجيز الإنفاق وفق القاعدة الإثني عشرية، بما أن موازنة العام 2023 لم تُقَر بعد". وبالتالي لا يمكن إقرار بدل الإنتاجية وترتيب إنفاق عام.
ينضمّ هذا الملف إلى جملة الملفات الشائكة التي لا تحلّ الأزمة المستمرة. إلاّ أن ميقاتي وَعَدَ بالخبر اليقين بعد أسبوعين.