المصدر: الحرة
الكاتب: ضياء عودة
الأربعاء 1 كانون الثاني 2025 17:44:56
بحديثه عن الانتخابات والدستور والمدة التي قد تستغرقها عملية المضي بهذين الاستحقاقين في المرحلة المقبلة يكون قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع (الملقب بأبو محمد الجولاني)، قد وضع السوريين أمام معادلة جدلية اختصرها ناشط حقوقي في حديثه لموقع "الحرة" بسيناريو "من أين نبدأ؟".
الشرع هو القائد الفعلي للمرحلة الانتقالية في سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد، وبحسب قوله، قبل أيام، فإن تنظيم انتخابات في البلاد قد يتطلب أربع سنوات، فيما قد تستمر عملية صياغة الدستور "أطول مدة ممكنة"، وحددها بثلاث سنوات.
فهل تتطلب عملية إجراء الانتخابات في سوريا وصياغة الدستور هذه المدة الطويلة بالفعل؟ وما الآثار السياسية التي قد تترتب مع الوقت على صعيد شكل الحكم الذي يحلم به السوريون وعلى مستوى الحالة الخاصة بسلطة الشرع؟
ومن المقرر أن تنتهي ولاية الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها والإعلان عنها بعد سقوط نظام الأسد في مارس المقبل، وبعد ذلك من المتوقع أن تتم تسمية حكومة جديدة تقوم على شخصيات تكنوقراط، وفقا لحديث قائد الإدارة الجديدة في ديسمبر الماضي.
كما أنه من المتوقع أن تشهد العاصمة السورية دمشق انعقاد مؤتمر وطني في الأيام المقبلة، وحددت مصادر مطلعة لموقع "الحرة" موعده ما بين السابع إلى الخامس عشر من شهر يناير الحالي.
ويشرح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي، أن الدول الخارجة من الصراعات والحروب الأهلية أو تلك التي تمر بمرحلة انتقالية أو عقب نجاح ثورات فيها تتفاوت من حيث المدة الزمنية والآليات المتبعة لصياغة الدستور.
ويوضح في حديثه لموقع "الحرة" أيضا أن ما سبق تتحكم به عوامل عدة كحجم التدخلات الخارجية، ومدى وجود توافق سياسي داخلي والخيار باللجوء إلى كتابة دستور جديد أو إجراء تعديلات دستورية.
وتبرز أيضا عوامل أخرى، بحسب الباحث، بينها مدى الحاجة إلى دستور مفصل أو دستور عام على أن تترك التفاصيل للقوانين، "والأهم مدى تجاوب ممسكي السلطة وحساباتهم ومصالحهم من الدستور".
ماذا عن المدة؟
قبل سقوط نظام الأسد انبثقت لجنة لكتابة الدستور (اللجنة الدستورية السورية) بعد مؤتمر شهدته مدينة سوتشي الروسية في عام 2018. وعقدت هذه اللجنة 9 جولات لبحث عملية الصياغة لكنها لم تصل إلى أي نتائج، رغم أنها حظيت بدعم من المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون.
ولا يعرف ما إذا كانت هذه اللجنة قائمة حتى الآن أم لا، ومع ذلك وبناء على ما قاله الشرع (الجولاني) مؤخرا بشأن عدم فعالية القرار الأممي 2254 قد يكون عملها أصبح من الماضي.
ويعتقد الباحث الدسوقي أن عملية صياغة الدستور والتي قد تستغرق 3 سنوات أو أكثر هي "أمر طبيعي خاصة في السياق السوري".
ويتابع الباحث: "لكن المهم هو مدى كون العملية تشاركية بين القوى السورية والسلطة الجديدة، سواء في صياغة دستور أو إدارة البلاد".
كما يرتبط عامل الأهمية بـ"مدى قدرة الدستور على أن يؤسس لعقد اجتماعي جديد يحقق استقرار سوريا دولة ومجتمعا، فضلا عن مدى وضوح الإطار الدستوري والقانوني المتبع لحين صياغة دستور جديد واعتماده"، بحسب ذات المتحدث.
لكن في المقابل يؤكد الحقوقي السوري ومدير مركز "العدالة والمساءلة" في واشنطن، محمد العبد الله، أن مشكلة الشعب السوري "لا تكمن في الدستور"، سواء في مرحلة ما قبل نظام الأسد وما بعد سقوطه.
ويقول العبد الله لموقع "الحرة" في تعليقه على المدة التي قدّرها الشرع للانتخابات والدستور (ثلاث سنوات، أربع سنوات) إن قائد الإدارة الجديدة يحاول من خلال ذلك وضع السوريين أمام "بيضة ودجاجة"، بمعنى "سيناريو من أين نبدأ؟".
كيف تبدأ العملية؟
وسواء استغرقت عملية كتابة الدستور من عام إلى خمس سنوات فمن سيصوت عليه؟ وهو سؤال يطرحه الحقوقي العبد الله، مشيرا إلى أن مجلس الشعب أصبح بحكم المحلول.
ويضيف أنه لا يمكن أن تجري انتخابات بدون دستور، وزاد بالقول: "من سيقرر من يترشح ويصوت ويشارك؟ ومن سيقرر طبيعة الحياة السياسية ونوع نظام الحكم، سواء فيدرالي لا مركزي أو رئاسي أو برلماني؟".
وبناء على ما سبق يرى الحقوقي السوري أن فكرة تعديل الدستور غير ضرورية، وأنه ليس هناك جدوى من انتظار عملية الكتابة، من أجل المضي قدما لاحقا لإجراء انتخابات أو البدء بعملية سياسية.
وبدلا من ذلك "يمكن المرور على الخطوات (الدستور وإجراء الانتخابات) بوقت أسرع عبر الدعوة لإنشاء جمعية عامة أو جمعية تأسيسية أو مؤتمر تأسيسي استثنائي لمرة واحدة يقرر شكل الانتخابات وشكل الدولة وصولا لانتخاب أول مجلس شعب، على أن تتم بعد ذلك إعادة صياغة القوانين والدستور"، بحسب العبد الله.
ومن جهته يعتقد الباحث الدسوقي أن غياب الشفافية وعدم الوضوح وتجاوز التشاركية خلال هذه المرحلة قد يفتح الباب مشرعا أمام احتمالية إعادة احتكار السلطة مجددا.
ويضيف الباحث أن تلك المخاوف تقلق العديد من السوريين.
"محاولة احتيال"
ولم يتم إيقاف العمل بدستور 2012 حتى الآن، الذي تم إقراره بعد الاستفتاء الذي جرى في فبراير من العام المذكور، في أعقاب اندلاع الثورة السورية.
وكان دستور 2012 قد جاء ليحل محل دستور 1973، وبهدف "تحقيق بعض الإصلاحات السياسية"، وهو الأمر الذي اعتبرته المعارضة آنذاك محاولة لتجميل صورة النظام السياسي الخاص ببشار الأسد، بعد أشهر تخللها قمع وقتل وبطش ودماء.
ويعتبر الحقوقي السوري العبد الله أن حديث الشرع الأخير عن المدة الزمنية الخاصة بالدستور والانتخابات "محاولة للاستيلاء على السلطة أكثر وإضفاء الشرعية"، ويقول "إننا لسنا بحاجة إلى هذا الوقت لكتابة الدستور"، في إشارة منه إلى السنوات الثلاث.
ويضيف العبد الله: "من سيشارك بصياغة الدستور ومن سيقرر نظام الحكم؟ هل مؤتمر الحوار الوطني؟ من سيشارك؟ نحن أمام معضلة حقيقية فيها سيناريو الدجاجة أم البيضة أولا".
ويتابع أنه وفي كلتا الحالتين "توجد محاولة للاحتيال على الوضع القائم وإضفاء شرعية على سلطة الأمر الواقع في دمشق وفرض رؤية ما على السوريين دون إشراكهم في اتخاذ القرار"، مؤكدا على "ضرورة وجود الشفافية".
لكن في المقابل ما يزال قائد الإدارة الجديدة في سوريا يؤكد على نيته إشراك جميع الأطراف في نظام الحكم والإدارة، في حين تشير الأوساط المقربة منه إلى محطة "المؤتمر الوطني" في دمشق، وعلى أنها ستكون مفصلية على صعيد ما سينتظر البلاد في المرحلة المقبلة قبل الشروع بأي إجراء دستوري.