مع اقتراب الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية الموسعة.. تحديات عدة تتصدى لها الحكومة ولا تراجع عن شرعية الدولة

على مسافة أيام من الذكرى الأولى لعملية «البيجر» وأجهزة اللاسلكي، التي مهدت فيها إسرائيل لحربها الموسعة بين 20 سبتمبر و27 نوفمبر 2024، واغتالت فيها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ثم خلفه السيد هاشم صفي الدين، وقبلها القضاء على قيادة قوة «الرضوان» بالحزب، بدا واضحا ان البلاد تقف في مكان آخر مختلف عن أجواء الحرب، وان كانت تداعيات الحرب والاعتداءات الإسرائيلية مستمرة.

وتسعى الدولة اللبنانية التي تشكلت سلطتها الفعلية اعتبارا من 9 يناير الماضي بانتخاب العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية، إلى تكريس حضور الشرعية اللبنانية بقواها العسكرية وحدها على كامل الأراضي اللبنانية بدءا من جنوب الليطاني، وصولا إلى المنع الكامل لأي ظهور عسكري غير نظامي، ومنع نقل الأسلحة.

تحديات أمنية وأخرى إصلاحية تواجهها السلطة الساعية إلى الوفاء بالتزاماتها مع المجتمع الدولي، والى تحقيق انفراجات مطلوبة يشكو منها الداخل اللبناني في ملفات عدة، في طليعتها تأمين عودة الأهالي إلى القرى الحدودية المدمرة، والتصدي لسلسة أزمات اجتماعية معيشية، والشروع في تأهيل البنى التحتية في مرافق حيوية في طليعتها الكهرباء، فضلا عن أزمة الشح في المياه المستجدة هذه السنة نتيجة قلة الأمطار في موسم الشتاء الماضي.

خطوات عدة تقوم بها الحكومة، بينها تشكيل أجهزة ناظمة في الكهرباء والاتصالات، والاحتياط لبقاء لبنان على اتصال بالعالم من خلال إبرام اتفاق مع شبكة «ستارلينك» لتأمين الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، إلى فتح خط بحري بين جونية ولارنكا (قبرص) والعمل على تأهيل كافة مرافق المطار والطرق المؤدية اليه.

تحديات عدة، ترتبط كلها في توفير الأمن وبسط سلطة الشرعية اللبنانية دون سواها، تمهيدا للانتقال إلى مؤتمرات دولية خاصة بدعم لبنان تستهل بداية بتأمين دعم للجيش لتمكينه من القيام بالمهمات الكبرى الموكلة اليه.

وفي هذا السياق، تواجه الحكومة اللبنانية تحديين لا يحتملان التأخير: إقرار الموازنة لسنة 2026، في غضون ثلاثة أسابيع، والثاني إقرار مشروع قانون الفجوة المالية.

في موضوع الموازنة، الحكومة مطالبة بإنجازها وتقديمها إلى المجلس النيابي مطلع أكتوبر المقبل، قبل بدء الدورة العادية الثانية لمجلس النواب في أول ثلاثاء بعد 15 أكتوبر، ليتمكن المجلس من مناقشتها وإقرارها وفقا للأصول الدستورية، وفي الموعد المحدد في مهلة أقصاها نهاية شهر يناير المقبل، مع الحرص على الا تتضمن ضرائب تثقل المواطن ويصعب على النواب تمريرها على أبواب الانتخابات النيابية في مايو من السنة المقبلة.

وفي موضوع الفجوة المالية، التي يتوقف عليها الكثير من الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية، قالت مصادر نيابية لـ «الأنباء» ان شروط صندوق النقد حول الفجوة المالية المتعلقة بأموال المودعين (العالقة في المصارف) غير مقبولة من المجلس النيابي والكتل والأحزاب السياسية، خصوصا انها تريد خفض هذه الديون (الودائع) إلى الحد الأدنى، ما يعني انها لن تمر في المجلس النيابي، وهذا ما أشار إليه رئيس الحكومة نواف سلام، بالقول ان المطلوب وضع إطار حل لموضوع الفجوة المالية يكون مقبولا في الحكومة ويمر في المجلس النيابي، الامر الذي يحتاج إلى نقاش على مدى أسابيع».

ومع استمرار الحركة الديبلوماسية تجاه بيروت، فإن أي تقديمات تبقى مرتبطة بمدى نجاح خطة الجيش اللبناني، وخصوصا في مرحلتها الأولى جنوب الليطاني.

وفي حين يحظى دعم الجيش بالأولوية من الدول المانحة، فإنه لا ينسحب على بقية القضايا. لذا تمت تجزئة خطة دعم لبنان إلى ثلاثة مؤتمرات وهي: دعم الجيش، وإعادة الإعمار والتعافي، والاستثمار. والبحث اليوم في تحديد الموعد من قبل فرنسا لمؤتمر دعم الجيش بحيث لا يتجاوز شهر نوفمبر المقبل، على ان يبقى أمر المؤتمرين الآخرين معلقا على مسار الأمور في لبنان لتجنب الوقوع في التجارب السابقة، حيث بقيت تعهدات الدول المانحة للبنان «شيكات» غير قابلة للصرف.

وفي السياق الاقتصادي، استقبل وزير الاقتصاد والتجارة د. عامر بساط المستشار الاقتصادي للمبعوث الخاص لرئيس الجمهورية الفرنسية إلى لبنان جاك دو لاجوجي.

وتم خلال اللقاء، بحسب بيان صادر عن الوزارة، البحث في قانون الفجوة المالية، وعرض أوضاع مؤتمر المانحين المرتقب والتحضيرات الجارية له. كما وجه الوزير إلى ضيفه دعوة لحضور المؤتمر الاستثماري الذي ستنظمه الوزارة في نوفمبر المقبل.

على صعيد آخر، فإن سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات «يطبخ» على نار هادئة. وفي هذا الإطار، يتسلم الجيش اليوم سلاحا من مخيم البداوي في أقصى شمال لبنان، بعد الجنوب وبيروت. فيما تأجل التسليم في مخيم «عين الحلوة» أكبر مخيمات لبنان لأسباب تقنية.

وأشارت مصادر إلى ان ما يتم تسليمه هو السلاح العائد لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية. اما المنظمات الأخرى وفي مقدمتها حركة «حماس»، فإن الاتصالات تجري على قدم وساق وبسرية تامة، نظرا إلى الظروف الأمنية لمسؤولي الحركة في لبنان في ظل التطورات الإقليمية، مع الإشارة إلى ان التطورات الإقليمية قد تسرع هذه العملية، التي شكلت عقبة أساسية في وجه قيام الدولة منذ اكثر من نصف قرن.