ويتفشى "أوميكرون"، وسط تصاعد جدل اجتماعي وسياسي حيال مدى نجاعة تلك الإجراءات وضرورتها، فيما تتواصل الاحتجاجات الرافضة في الشارع لإعادة فرض القيود على الحياة العامة وفرض التطعيم.

وتلوح السلطات الصحية في بعض الدول الأوروبية بإعادة فرض القيود، في محاولة منها لكبح تفشي الفيروس، مما أدى لخروج مظاهرات شارك فيها آلاف المحتجين في باريس وبروكسل، نهاية الأسبوع الماضي.

في هذا السياق، أعلنت هولندا فرض الإغلاق العام، حيث ستغلق كل المحلات غير الأساسية والمطاعم والحانات ودور السينما والمتاحف والمسارح، اعتبارا من الأحد حتى 14 يناير.

في المنحى نفسه، سيخفض عدد الزوار المسموح باستقبالهم في منزل واحد من 4 إلى 2، باستثناء ليلة عيد الميلاد في 24 سبتمبر، ويوم العيد واليوم التالي للعيد في 25 و26 منه ورأس السنة.

 

إجراءات متلاحقة

في بريطانيا، أعلن عمدة لندن، صديق خان، حالة التأهب المعروفة بـ"الحدث الكبير" في مسعى للتعامل مع التفشي السريع للمتحور، معربا عن قناعته بأن هذا الإجراء سيتيح تجنب حدوث الخلل في خدمات الخطوط الأمامية وتفعيل حملة التطعيم بالجرعة الثالثة المعززة ضد عدوى "كوفيد-19".

وأشار إلى أن أوميكرون أصبح يتفشى بوتيرة سريعة، مع ارتفاع عدد المصابين والمرضى في المستشفيات.

وفي أيرلندا، ستقفل الحانات والمطاعم عند الثامنة مساء اعتبارا من يوم الأحد، حتى نهاية يناير المقبل.

وفي فرنسا، أعلنت بلدية باريس إلغاء الألعاب النارية والحفلات الموسيقية المقررة في جادة "الشانزليزيه" ليلة رأس السنة، حيث طلب رئيس الوزراء، جان كاستكس، من المجالس البلدية إلغاء الاحتفالات الموسيقية وعروض الألعاب النارية مساء 31 ديسمبر، مع حظر استهلاك الكحول في الأماكن العامة.

وفي ألمانيا، دق وزير الصحة كارل لوترباخ، ناقوس الخطر في مواجهة خطر موجة جديدة من الفيروس، محذرا من أن ألمانيا تشهد ارتفاعا في عدد الإصابات، وعليها الاستعداد لموجة هائلة جديدة مرتبطة بتفشي المتحور أوميكرون.

وكانت السلطات الألمانية قد أعلنت منذ الأحد، إدراج بريطانيا على لائحة الدول العالية المخاطر بسبب تفشي كوفيد-19، مما سيستدعي فرض قيود كثيرة على السفر منها وإليها.

أما في الدنمارك، فجرى فرض الإغلاق اعتبارا من يوم الأحد ولمدة شهر، على كل من المسارح ودور السينما وقاعات الحفلات الموسيقية، فضلا عن المتنزهات الترفيهية والمتاحف.

أما سويسرا فستمح فقط للملقحين أو المتعافين من كوفيد-19 اعتبارا من الاثنين، بدخول المطاعم والمؤسسات الثقافية والمنشآت الرياضية والترفيهية والفعاليات المختلفة.

في غضون ذلك، باتت بعض الدول الأوروبية مثل النمسا وإيرلندا والبرتغال وإيطاليا واليونان، تفرض على المسافرين الأوروبيين إبراز فحص تشخيص سلبي النتيجة لدى وصولهم، حتى وإن كانوا ملقحين.

وتستقبل مختلف الدول الأوروبية أعياد الميلاد ونهاية السنة، على وقع الاحتراز والقلق، فيما يدعو مراقبون للابتعاد عن التهويل وإثارة الهلع بين الناس، مع الأخذ في الاعتبار لتوخي السلامة بتوازن، من خلال منع تحول عطلة الأعياد إلى فرصة لانتشار أوسع للفيروس ومتحوره الجديد.

 

معايير وقائية معقدة

وأمام المشهد الوبائي في أوروبا، عشية عطلات أعياد الميلاد ورأس السنة، التي يبدو أن أوميكرون يكاد يعصف بها، يقول الباحث المختص في تحليل الأزمات، والمقيم في أوسلو، صفاء خلف، في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية"، إنه "يبدو أن معايير الوقاية الأوروبية عالية المستوى، وبروتوكولات التعامل مع متحورات الفيروس التاجي، أصبحت أكثر تعقيدا من ذي قبل".

وأرجع سبب "تعقيد الإجراءات، نظرا لحجم انتشار الفيروس في عموم الاتحاد الأوروبي، الذي سجل نحو 89 مليون إصابة و 1.5 مليون وفاة، وهي كلفة بشرية واقتصادية باهظة، ومؤشر على هشاشة النظم الصحية رغم أنها الأعلى جودة مقارنة بمناطق أخرى من العالم".

وأضاف أن "الحيرة الأوروبية في تقديم حلول أكثر نجاعة ضد كورونا ومتحوراتها، مردها إلى 3 مخاوف أساسية، أولها الخوف من الإغلاق العام الذي يعني خسائر اقتصادية واهتزازات غير متوقعة، مع بروز كساد وتراجع صناعي وتوقف شبه تام لتجارة الخدمات".

أما التخوف الثاني، بحسب الباحث، فهو أن "الكلفة المالية للإغلاق تعني جني ضرائب أقل في مقابل دفع تعويضات أكبر، مما يؤثر على سياسات الموازنة العامة وموارد الانفاق".

ويشرح خبير الأزمات أن التخوف الثالث لدى الدول الأوروبية، هو "اهتزاز الثقة في الأنظمة السياسية الحاكمة، ومدى قدرتها على ضبط الأمن الصحي والوقائي، بمعنى أن لجوء السلطات دائما إلى الإغلاق كحل للمشكلة، يجعلها تصطدم بمخاوف شيوع السلطة الأمنية وديكتاتورية الحكومات في استعمال القوة المؤسسية لضبط الجمهور العام بناء على مخاوف صحية".

وتابع: "لعل الاحتجاجات التي تشهدها عدة مدن أوروبية ضد إلزامية التطعيم أو فرض وثائق الخلو من كورونا كشرط لممارسة الحياة اليومية أو السفر، تدعم هذا التخوف الآخذ بالنمو، لا سيما أن فئات أوروبية واسعة ما زالت ترفض التطعيم وتصفه بالمؤامرة الحكومية".

واستطرد: "الإغلاقات الأوروبية الجديدة خلال فترة الأعياد أو المرتقبة خلال الأسبوعين الأولين من العام المقبل، كما هو الحال في بريطانيا، يمكن تسميتها بـ(هلع الكريسماس)، لا سيما وأن المؤشرات الأممية تشير إلى أن متحور أوميكرون ينتشر على نحو أسرع بكثير من متحور دلتا الأكثر خطورة".

لكن الأميركيين، مثلا، يعتقدون أن الإغلاق لن يكون وسيلة فعالة ضد أوميكرون، بحسب الباحث الذي يضيف أن "أعراض وتأثيرات المتحور الجديد أقل حدة من المتحورات الأسبق، لكن مع ذلك لا يمكن تجاهله والاستهانة به".

وتابع خلف: "غاية سياسة الإغلاق الأوروبي الآن، تخفيف الضغط على المؤسسات الصحية في حال ارتفعت نسب الإصابة من حدود المتوقع إلى ما فوق الطاقة الاستيعابية، كما حدث في لندن مثلا في الأسبوعين الماضيين حين قفزت أعداد المصابين فجأة من المئات إلى الآلاف يوميا، مما وضع القطاع الصحي تحت ضغط قد يؤدي لانهيار أجزاء وقطاعات واسعة من نظام الصحة العامة".

ويشغل المتحور الجديد العالم بعد نحو شهر فقط على رصده للمرة الأولى في جنوب إفريقيا، إذ تم تسجيله في قرابة 80 بلدا، وينتشر خصوصا بسرعة فائقة في أوروبا، حيث يتوقع أن تصير النسخة المهيمنة من الفيروس هناك بحلول منتصف شهر يناير المقبل وفق المفوضية الأوروبية.