المصدر: المدن
السبت 20 أيلول 2025 21:22:01
على نحوٍ مفاجئ، ومن خارج السياق، أو ربما بما لم يظهر منه من قبل، جاءت دعوة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم للمملكة العربية السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع المقاومة، مشيراً إلى أن المنطقة أمام منعطف خطير، وسلاح حزب الله ليس موجهاً ضد لبنان، ولا ضد السعودية. في الموقف تحوُّل كبير، ولا بد أن تكون له تداعيات على الداخل اللبناني من جهة، وعلى الوضع الإقليمي وموقف الحزب من تطورات كثيرة. إنها الدعوة العلنية الأولى منذ سنوات على لسان حزب الله لفتح مسار جديد مع الرياض، بخلاف الحالة الصدامية التي سادت طوال السنوات الماضية، حتى أخيراً، وفي أعقاب تقديم الموفد الأميركي توم باراك لورقته لمعالجة ملف سلاح حزب الله، وجه الحزب اتهامات مباشرة إلى السعودية بأنها تبدو متشددة أكثر من الأميركيين. عملياً، كل ذلك يبدده كلام قاسم الذي يشير بوضوح الى الاستعداد للانتقال إلى مرحلة جديدة ومقاربات مختلفة.
منذ ازدياد الضغوط لسحب سلاح حزب الله، رفع مسؤولو الحزب سقف خطابهم وكلامهم ومواقفهم في رفض تسليم السلاح. ولكن، في موازاة ذلك، بقيت الكواليس تضج باتصالات ومشاورات تتقدم خلالها إشارات بأن الحزب جاهز للبحث، ولكن الأساس هو الصيغة والآلية. فهو لا يريدها أن تكون مستفزة. وفي أحد مواقفه السابقة قال قاسم بوضوح: "فلتلتزم إسرائيل ببنود اتفاق 26 تشرين الثاني 2024؛ أي أن توقف الاعتداءات، وتنسحب من الأراضي التي تحتلها، ويُطلق مسار إعادة الإعمار، وبعدها خذوا منا أفضل نقاش في ملف السلاح". بهذا الموقف فتح قاسم الباب للنقاش الجدي حول مصير السلاح، ولكن من دون اللجوء إلى تنفيذه بالقوة.
لا بد من الإشارة إلى موقف قاسم، ومواقف مسؤولين آخرين في الحزب، للإضاءة على مسارين لدى الحزب، الأول هو المسار الواقعي الساعي إلى التقرب مع الدولة اللبنانية ومع القوى الإقليمية والدولية. والمسار الآخر التصعيدي الذي يواصل حزب الله ثباته عليه، في ما يتعلق بجوهر قضية الحزب وارتباطها بسلاحه وبيئته ومناصريه. هنا أيضاً لا بد من استذكار كلام قاسم في خطابيه الأول والثاني بعد وقف الحرب، فحينها أكد الاستعداد لتطبيق اتفاق الطائف كاملاً، وإنجاز التسويات السياسية والاستحقاقات الدستورية. هذان الخطابان حملا مؤشرات حصر عمل الحزب في المجال السياسي فقط. ولكن، في ما بعد، ونتيجة ضغوط داخلية وخارجية، غيَّر قاسم من لهجته. إلا أن المسار في المضمون بقي نفسه. ذلك لا ينفصل عن كلمة قالها توم باراك في السابق عندما اعتبر أن حزب الله هو حزب سياسي لبناني، ويجب التعاون بينه وبين الدولة اللبنانية على معالجة ملف السلاح. وكلام باراك أعطى الحزب هامش اللعب سياسياً، والاعتراف بدوره وموقعه على الساحة السياسية.
هذا لا يمكن فصله عن التغييرات التي يجريها نعيم قاسم داخل بنية حزب الله؛ إذ هناك معلومات تفيد بأن الحزب في صدد إحداث مناقلات في صفوف مسؤوليه، وتغليب البعد السياسي على البعد العسكري، حتى إن المسؤولين العسكريين والأمنيين سيُغيّرون بما يتلاءم مع المرحلة الحالية، من دون إغفال احتمال وجود تباينات في الرأي أو المقاربة بين بعض المسؤولين في الحزب، لكن الجميع يعلم حجم المتغيرات على المستوى الدولي والإقليمي، وضرورة الإقدام على مقاربة مختلفة.
التطور المفاجئ في كلام قاسم، هو انعكاس لصدىً إقليمي ودولي، ولا يمكن أن ينفصل عن اللقاء الذي جمع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هذا اللقاء الذي استتبع بزيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني للرياض، وسط معلومات تؤكد أن الملف اللبناني كان حاضراً بقوة خلال هذه الزيارة. وهنا تفيد مصادر بأن مسؤولين لبنانيين كانوا قد أوصلوا رسائل إلى الإيرانيين والسعوديين بضرورة مناقشة الملف اللبناني بينهما. وخلال زيارة لاريجاني للرياض بحث في الوضع اللبناني، وأكد أن إيران حريصة على الاستقرار في لبنان، وتحترم قرارات الدولة اللبنانية. وهذا الكلام قاله لاريجاني في بيروت أيضاً للمسؤولين، على الرغم من قوله أيضاً إن إيران لن تتخلى عن قوى محور المقاومة، وستواصل دعم هؤلاء المجاهدين.
إذن، تأتي دعوة نعيم قاسم إلى فتح صفحة جديدة مع السعودية في ظل تحولات على مستوى المنطقة، أبرزها زيادة إيران حجم تقاربها مع السعودية، وبحثها عن تعزيز التحالفات، خصوصاً في ظل تجديد العقوبات الدولية عليها، وخلافها مع الأميركيين والأوروبيين، إضافة إلى مراقبة اتفاق الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان، وسط أفكار كثيرة تطرح على مستوى المنطقة لأجل التعاون الأمني، وزيادة التنسيق في مواجهة الحرب الإسرائيلية التي تهدد دول المنطقة ككل. ولبنانياً، هناك من يعتبر أن موقف قاسم تجاه السعودية جاء بناء على نصيحة إيرانية، ومن لاريجاني تحديداً، الذي يرتاح إليه كثيرون في السعودية كما في لبنان. ومعروف حجم العلاقة القوية التي تربط لاريجاني برئيس مجلس النواب نبيه بري. كما أن لاريجاني هو أحد أبرز المقررين والمؤثرين في إيران بحكم قربه من المرشد، وعلاقته مع الإصلاحيين والمحافظين، وعلاقاته مع الحرس الثوري. حتماً سيكون لكلام نعيم قاسم تبعات على المستويين الداخلي والخارجي، ولا بد أيضاً من انتظار ردة الفعل السعودية، التي قد لا تظهر ويلتزم السعوديون بالصمت، في انتظار ما يمكن أن يقدمه حزب الله على المستوى العملاني.