مفاعيل الهزّة التي ضربت سوريا ولبنان: لا شيء خارج التوقّعات

أعاد مشهد الناس في الطرقات بعد تسجيل هزّة أرضية بقوّة 5.1 درجات إلى الأذهان مشهد زلزال تركيا وما أحدثه من خوف وقلق وارتباك في تكرار هذا السيناريو القاسي. نعيش في ازدواجية بين التنبّؤات والتحذيرات من حدوث زلزال مدمّر في المنطقة قريباً، والتعامل مع الواقع الجيولوجيّ بوعي ومنطق بعيداً عن الهلع والترهيب.
 
وبعد الهزّة التي ضربت سوريا في الأمس، عاد حديث الباحث الهولندي فرانك هوغربيتس إلى الواجهة من جديد بعدما توقّع احتمال حدوث نشاط زلزاليّ كبير في 15 أو 16 آب الجاري، في تركيا وسوريا ولبنان لأنّها جزء من المنطقة المحفوفة بالمخاطر، ومنطقة شرق أفريقيا، كما توقّع نشاطاً زلزاليّاً بقوّة 7 درجات على مقياس ريختر.
 
لنتحدّث علميّاً بعيداً عن التكهّنات، بهدف زيادة الوعي وتحسين الاستعداد لمواجهة الكوارث الزلزالية وعدم إثارة البلبلة. وانطلاقاً من ذلك، نغوص أكثر في قراءة علميّة لما جرى مع الباحث والأستاذ المحاضر في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتور طوني نمر الذي شرح لـ"النهار" أنّ الهزّة التي سُجّلت في الأمس وشعر بها سكان سوريا ولبنان والأردن هي جزء معروف وليس خارجاً عن التوقّعات، وكما بتنا نعلم أنّ الفوالق الرئيسيّة مثل فالق البحر الميت تتجزّأ منه فوالق أخرى متفرّعة، ومنها فالق مصياف الذي سجّل هزّة الأمس".
 
لا يُخفى على أحد أنّ الهزّة التي حصلت في سوريا وكانت قوّتها 5.1 درجات لم تكن لتُحدث هذا الخوف والهلع قبل 6 شباط 2023، أي يوم شهدت دولتَا تركيا وسوريا على زلزالين كبيرين أسفرا عن وقوع ضحايا وخلّفا وراءهما دماراً كبيراً.
 
هذه الحقيقة يعكسها نمر في حديثه، ففي رأيه أنّ "هزّة الأمس أيقظت فينا الخوف والقلق من ليلة 6 شباط وما أحدثته من ارتباك وضياع. لكن ما اختلف هو قوّة الهزّة ومدّتها، فكلما كانت الهزّة خفيفة كانت مدّتها قصيرة، وهذا ما حصل بالفعل حيث شعرنا بها لمدّة ثوانٍ معدودة، أي أقلّ بكثير من ليلة 6 شباط حيث كانت الهزّة أقوى وتردّداتها متواصلة. ورغم أنّ مدّة الهزّة التي سُجّلت في الأمس كانت قصيرة إلّا أنّها كانت كفيلة في إيقاظ كلّ الهواجس والمخاوف من حدوث زلزال وترقّب الأسوأ".

في علم الجيولوجيا ، يُعتبر صدع البحر الميت منطقة تنشط فيها الهزّات الأرضية، والتي سجّلت على مرّ التاريخ أحداثاً زلزالية كان بعضها مدمّراً.
 
يعترف نمر أنّنا لا يمكننا قراءة المستقبل بالاستناد إلى ما يجري اليوم، لكن إحصائيّاً وعلميّاً، فالهزّات الصغيرة التي سبقت الهزّات الكبيرة لا تتعدّى نسبتها الـ5 إلى الـ 10 في المئة، في حين أنّ 90 إلى 95 في المئة من الحالات التي تحدث فيها الهزّات الكبيرة، كما حصل في تركيا وسوريا في 6 شباط 2023، لا تسبقها هزّات صغيرة. وعليه، فإنّ نسبة عدم حدوث هزّة كبيرة بعد الهزّة التي سُجّلت في الأمس عالية جدّاً.
 
يترقّب الباحثون والجيولوجيّون نشاط الأرض عن كثب، وعندما يحدث زلزال على صدع، فإنّه يضع ضغطاً إضافيّاً على الصدوع المجاورة عند كلا الطرفين. ولم يعد خافياً على أحد أنّ صدع البحر الميت شهد على أنشطة زلزاليّة سابقة، وبالتالي المنطقة مرجّحة لنشاط زلزاليّ محتمل على طول هذا الصدع، هذه حقيقة علميّة يجب التعايش معها بوعي حتّى نفهم طبيعة ما يجري.
 
وانطلاقاً من دراسة حركة الأرض وطبيعتها، يؤكّد نمر أنّه كلّما مرّ وقت على الهزّة التي حصلت كلّما زادت فرصة عدم حدوث هزّة أخرى.

في مقلب آخر، إنّ الهزّات الارتداديّة التي تُسجّل تكون على الفالق الرئيسيّ الذي حصلت فيه الهزّة الأساسيّة، ولكنّ الارتجاجات التي تصدر عن الهزّات الارتداديّة يمكن أن تؤثّر على فوالق أخرى غير مرتبطة بالفالق الرئيسيّ.
 
ومن واجباتنا كعلماء أن نبقى متيقّظين ومتابعين لأيّ نشاط حركيّ يحدث وعلينا مراقبته، ومن المرجّح ألّا يكون لزلزال 6 شباط أيّ علاقة بالهزّة التي حصلت في الأمس نتيجة المسافة البعيدة بين المكانين.
 
وعن التحذيرات من حدوث زلزال مدمّر في إسطنبول، يؤكّد نمر أنّ التخوّف من حدوث زلزال هناك ليس له علاقة بزلزال 6 شباط ولا بالهزّة التي حصلت، ومع ذلك فإنّ الخطر ما زال موجوداً، إلّا أنّ الذي اختلف يتمثّل بوعي الناس وغوصها أكثر في هذا المجال مقارنة بما كانت عليه الحال قبل زلزال تركيا.

التوعية ضروريّة، فهل يكفي التحذير فقط؟ ما حصل في الأمس يجب أن يكون عبرة لتنفيذ مسح شامل لواقع الأبنية تفادياً لمأساة أخرى. وفي هذا الصدد، حذّر نقيب المالكين باتريك رزق الله، في بيان، "من حصول هزّات أرضيّة جديدة قد تؤدّي إلى انهيار مبانٍ في بيروت وغيرها من المناطق، وخصوصًا أنّنا ناشدنا الدولة اللبنانيّة مراراً وتكراراً، ضرورة وضع خطّة لإنقاذ هذه المباني، والعدد يتخطّى في بيروت وحدها العشرة آلاف مبنى، من دون جدوى. وغداً عند وقوع كارثة، لا سمح الله، نبحث عن ضحيّة لتحميلها مسؤوليّة تلكّؤ دولة بكاملها عن حماية أبنائها".

وسأل: "أين مشاريع القوانين لإنقاذ هذه المباني؟ أين الكشف الدقيق؟ ماذا فعلتم كدولة لإنقاذ شعبكم؟ أتضعون خطط طوارئ؟ فلبنان يحتاج إلى خطّة طوارئ في الظروف العاديّة، فكيف به في هذه الظروف؟

وأشار إلى أنّ "عدداً كبيراً من المباني المؤجّرة مهدّد بالانهيار لأنّ المالكين غير قادرين على الترميم"، لافتاً إلى أنّ المسؤولين "يعطّلون تطبيق قانون الإيجارات الجديد للأقسام غير السكنيّة والنافذ حكماً، بدلاً من نشره في الجريدة الرسميّة ليكون أداة تساعد المالكين على استعادة القدرة على ترميم المباني المؤجّرة المهدّدة بالانهيار، ثمّ تحمّلون المسؤوليّة للمالك في حالات الانهيار".

لذلك دعا مجلس النوّاب إلى الاجتماع فوراً، واتّخاذ الإجراءات الآيلة إلى حماية السكّان عبر قوانين وقائيّة، أوّلها رفع المسؤوليّة عن كاهل المالكين في المباني المؤجّرة القديمة، ومساءلة الحكومة ورئيسها عن عدم نشر قانون الإيجارات للأماكن غير السكنيّة في الجريدة الرسميّة، والطلب إلى المحافظين ورؤساء البلديّات إخلاء المباني المهدّدة بالانهيار، وخصوصاً في بيروت وطرابلس وصيدا والمدن الكبرى".