مفاوضات لا أصول دستورية لها

كتب العميد الركن المتقاعد مارون خريش:

هل رئيس مجلس النواب هو المرجع الصالح للتفاوض على مصير لبنان؟ ومن هي الجهة الصالحة لإدارة المفاوضات في ظل الفراغ في رئاسة الجمهورية؟ وفي أي إطار يجب أن تكون هذه المفاوضات؟ وما هي السلطة الصالحة التي يجب أن يصدر عنها أي اتفاق؟ ومن هم أطراف هذا الاتفاق؟ وما هو الإطار العام المحدّد لهذا الاتفاق؟

سأحاول في هذا المقال أن أطرق الموضوع من خلال باب الدستور وتقنيات التفاوض وأصولها، وليس من باب المبايعة، وأجيب عن كل سؤال مطروح.

السؤال الأول: من هي السلطة المخوّلة دستورياً بالتفاوض وعقد المعاهدات؟

نصّت المادة 49 من الدستور أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويسهر على احترام الدستور. إذن الدستور وفّر لرئيس الجمهورية صلاحية إضافية فوق صلاحياته وهي القيادة، وإن كانت معنوية في بعض جوانبها. وهذه الصلاحية المهمّة هي الحرص على تطبيق الدستور كونه فوق الطوائف والأحزاب. وهذه الصلاحية تعطيه القدرة على القيادة والتفاوض والتحكيم وتوحيد الكلمة الوطنية. ولذلك وُصِفَ في مقدّمة هذه المادة برمز وحدة الوطن وضمان استمرار المؤسسات الدستورية.

ونصّت المادة 52 على تولّي رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلّا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتُطلع الحكومة مجلسَ النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة.

إذن، الصلاحية لرئيس الجمهورية مع ترك إبرام المعاهدات لمجلس الوزراء ومع الحق بحجبها عن مجلس النواب.

السؤال الثاني: من هي الجهة الصالحة لإدارة المفاوضات في ظل الفراغ في رئاسة الجمهورية؟

ينصّ الدستور على انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية في حال فراغ سدّة الرئاسة إلى مجلس الوزراء مجتمعاً. ولكنه لم ينصّ على آلية للتنفيذ.

فهل يصبح مجلس الوزراء رمزاً لوحدة الوطن بموجب انتقال الصلاحية، وهو المبني على كل التناقضات؟ وهل يستطيع مجتمعاً أن يدير المفاوضات؟ وهل يجوز له تفويض ما فوّض إليه؟ وما هي آلية هذا التفويض؟ أبقرار منه؟ أم بمرسوم؟ أم بالمبايعة الرسمية؟ أم بالمبايعة غير الدستورية وغير القانونية المفروضة من قِبل مَن يهيمنون على الدولة؟ ولماذا تمّ اختيار رئيس المجلس النيابي الذي لا يحق له حتى الإطلاع بموجب الدستور على المعاهدات في معظم الأحيان؟ وهل يكفي أن يتّصف المفاوض بالوطنية لكي يُكلّف بالمفاوضات؟ وهل تكفي ثقة "حزب الله" فيه لكي يكون (بالاذن من جبران) أبو المصطفى المختار الحبيب الذي كان فجراً لذاته، هو المفاوض الوحيد ومن دون أي مستند تكليف قانوني أو دستوري؟

السؤال الثالث: من هم أطراف هذا الاتفاق، وما هي طبيعة المفاوضات؟

هم اطراف النزاع، لبنان والكيان الإسرائيلي، والمتدخّلون بالصراع أميركا وإيران وبعض الدول الأوروبية، والوسطاء المحايدون وغير المحايدين الذين يلعبون أدواراً مزدوجة، مما يجعل المفاوضات مسألة معقّدة تستوجب تكليف فريق تقني عسكري ودبلوماسي وقانوني وقضائي، بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء صاحب الصلاحية في التكليف بموجب المادة 49 المار ذكرها.

السؤال الرابع: ما هو الإطار العام لأي اتفاقية؟

يبقى أن نضع إطاراً عاماً لهذه المفاوضات لا نخرج عنه حفاظاً على المصلحة الوطنية العليا وهو:

١- الدستور اللبناني الذي ينصّ على السيادة اللبنانية وعدم جواز التخلّي عن أي جزء من أرض الوطن.

٢- المواثيق والاتفاقيات الدولية كميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف ولاهاي واتفاقية الهدنة لعام 1949 بين لبنان وإسرائيل.

٣- قرارات الأمم المتحدة، ولاسيما القرار 1701.

بالإضافة إلى رفض التدخّل من قِبل أي دولة إلّا تحت إشراف الأمم المتحدة، وعدم إعطاء العدو الإسرائيلي أي حق بالمراقبة في الأجواء والمياه الإقليمية أو على الأراضي اللبنانية.