مفتاح الحل: استراتيجية شاملة للأمن الوطني

يشهد لبنان مرحلة دقيقة تتداخل فيها الأزمات السياسية، الاقتصادية والأمنية، ما يجعل الأمن الوطني أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. ومع استمرار الانهيار الاقتصادي والتحديات الأمنية على الحدود الجنوبية والحدود الشرقية، تبرز الحاجة إلى رؤية استراتيجية تعيد ترتيب الأولويات وتحمي سيادة الدولة. لم يعد الأمن الوطني يقتصر على الجانب العسكري، بل أصبح يشمل الأمن السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي والسيبراني، ما يستدعي وضع خطة شاملة لمواجهة المخاطر المتعددة. حيث فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98 % من قيمتها منذ عام 2019، وكشف تقرير أعده البنك الدولي السنة الماضية، عن ارتفاع معدل الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي إلى 44 % من مجموع السكان"، ما يفرض تحديات إضافية على الدولة في توفير الأمن والاستقرار. في لبنان وفي ظل قيادة الرئيس جوزاف عون، تتجه البلاد نحو مرحلة جديدة تتطلب تعزيز الاستقرار السياسي، وتنفيذ إصلاحات ضرورية لمواكبة التحديات الراهنة والتصدي لأي تهديدات داخلية أو خارجية، وذلك بالارتكاز على عدة محاور أساسية لاستراتيجية الأمن الوطني.

إن التوترات الأمنية على الحدود الجنوبية والحدود الشرقية تزداد في ظل التهديدات المستمرة، مما يستدعي تعزيز القدرات الدفاعية للجيش اللبناني، خاصة أنه يواجه تحديات مالية تؤثر على جاهزيته. من الضروري زيادة الدعم للجيش عبر تعزيز التعاون العسكري الدولي، وتطوير الاستراتيجية الدفاعية لحماية الحدود والسيادة الوطنية. فيكون قرار السلم والحرب هو بيد الدولة اللبنانية للدفاع عن أرض الوطن والتصدّي للاعتداءات الخارجية.

مع وصول الرئيس جوزاف عون إلى سدة الرئاسة، باتت هناك فرصة لإعادة تفعيل العمل المؤسساتي وإنجاز الإصلاحات التي طال انتظارها، وبسط الأمن السياسي والمؤسساتي. تعزيز الاستقرار السياسي يتطلب إصلاحات تشريعية وقضائية تعزز الشفافية، بالإضافة إلى مكافحة الفساد عبر إجراءات صارمة لضمان المساءلة واستعادة ثقة المواطنين.

أما الأمن الاقتصادي فيتحقق بتنفيذ سياسات نقدية ومالية تحد من انهيار العملة وتعيد الثقة بالقطاع المصرفي، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات وتنويع الاقتصاد، فلبنان يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم، ما يجعل الإصلاح المالي والاقتصادي ضرورة ملحّة لضمان الأمن والاستقرار، خاصة مع تفاقم الفقر، البطالة وتراجع الخدمات الأساسية، مما أدّى إلى تصاعد التوتر الاجتماعي، مهدداً التماسك الوطني. لذلك، فإن تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الأكثر ضعفاً، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية لضمان حقوق المواطنين الأساسية، يعتبران من الخطوات المهمة لمعالجة الأزمة.

في ظل تصاعد حملات التضليل الإعلامي والهجمات السيبرانية، أصبح تعزيز الأمن الرقمي والإعلامي أمراً ضرورياً، ما يفرض عملية تطوير القوانين لحماية الفضاء السيبراني من التهديدات الرقمية، وتنظيم قطاع الإعلام بشكل يضمن حرية التعبير ويحمي من التضليل، وذلك لضمان استقرار الدولة والمجتمع.

اليوم، تمتلك الدولة اللبنانية فرصة لإعادة بناء الثقة بالمؤسسات، تعزيز الاستقرار السياسي وتنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية. يتطلب ذلك قرارات جريئة، ودعماً سياسياً داخلياً لسياسات الحكومة، بالإضافة إلى إرادة سياسية للخروج من الأزمة. إن غياب التخطيط الاستراتيجي يجعل لبنان أكثر عرضة للمخاطر، بينما يساهم تبني رؤية وطنية متكاملة وشاملة في خلق بيئة أكثر استقراراً وأماناً. فما هي الرؤية الأفضل للتأكيد على إطار لهذه الاستراتيجية ضمن ثوابت وطنية محددة ومشتركة؟ فلا يمكن تحقيق الاستقرار دون حوار وإصلاحات حقيقية، ولا يمكن إنقاذ البلاد دون رؤية واضحة تعيد بناء الدولة وتحمي مستقبل اللبنانيين.