المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الأحد 14 أيلول 2025 11:46:09
يشعر رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام كل من جهته باطمئنان للقرارات التي اتّخذتها الحكومة حول حصرية السلاح وخطة الجيش حولها كما للمسار الذي ستّتخذه الأمور على نحو لم تصل أصداؤه بعد كليّاً إلى الرأي العام اللبناني وحتى الى المراقبين من الخارج.
ثمّة ارتياح كبير لرد الفعل الخارجي الذي يتفهّم مبادرة لبنان إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة سيادته فيما أنّ الكرة في ملعب الآخرين، أكانت إسرائيل التي لم تلتزم كليّاً بعد بما تضمنه اتفاق وقف الاعمال العدائية ما كان سيضع لبنان في موقع أفضل في هذا الإطار، أو الولايات المتحدة التي يُفترَض أن ترعى وساطة لتنفيذ الاتفاق فيما خذلتها إسرائيل. والارتياح يعود لردّ الفعل على خطة الجيش في ظل اعتقاد أنّ عدم التزام لبنان مهلة انتهاء جمع السلاح في نهاية 2025، سينعكس سلباً على لبنان. فثمة تفهّم واقعي من الخارج إلى أنّ عدم التزام الجيش مهلة محدّدة يجد تبريراته في صعوبة رسم مسار حاسم وتحديده بمهلة زمنية تماماً باعتبار أنّ الخطط العسكرية توضع لتنفذ ويمكن تحديد موعد الانطلاق لكن يصعب الجزم بموعد الانتهاء منها. فها هي إسرائيل تخوض حرباً منذ سنتين على غزة التي تعلن فيها رغبتها في الانتهاء من حركة "حماس" أو حتى روسيا، الدولة العظمى، التي لم تتوقّع أن تطول حربها على أوكرانيا كل هذا الوقت فيما اعتقدت دول عدة بأنّ روسيا يمكن أن تنهي الحرب على أوكرانيا بأيام وليس بأسابيع.
هذا للقول إنّ الجيش بدأ بتنفيذ الخطة التي عرضها على مجلس الوزراء فيما أنّ المراحل التي حدّدها قد تنتهي بوقت أقلّ ممّا هو متوقّع او تنتهي بوقت أبعد ممّا هو متوقّع. يُضاف الى ذلك ان الجيش يحتاج الى قدرات اضافية بات الخارج يتفهّم مبرراتها في ضوء الثقة بوجود إرادة بالمضي قُدماً لتنفيذ قرارات الدولة، ومن هنا مبلغ 14 مليون دولار الذي أقرّه البنتاغون للجيش اللبناني لدعم قدراته اللوجستية والهندسية.
وبات من الواضح في هذا السياق أنّ القلق لا يتأتّى من الرفض العلني الصريح الذي يؤكده "حزب الله" مع كل إطلالة لأمينه العام الشيخ نعيم قاسم حول إنهاء سلاحه، وفي تقدير المسؤولين الكبار أنّ خطابات نعيم قاسم تهدف إلى محاكاة البيئة الشيعية والمحافظة على دعمها للحزب لا سيما قبل أشهر قليلة من الانتخابات النيابية، فيما أنّه لم تعد من فاعلية تذكر او صدى للمواقف التي يطلقها الحزب. وهذا ليس تقليلاً من شأنه او من قدراته بل بحكم معطيات تدفع المسؤولين إلى الجزم بقوة ان مسار عودة الدولة بدأ ولا عودة فيه الى الوراء وان ذلك سيشمل تخلّي الحزب عن سلاحه ولو رفض الاقرار بذلك علناً، وأنّ هناك مدّاً قويّاً وجارفاً في المنطقة يصعب مقاومته.
وهذه المعطيات تُفيد بأنّ الحزب يواجه عدم قدرته على استخدام سلاحه والدفع نحو حرب جديدة أيّاً كان حجمها، أوّلاً لأنّ بيئته في شكل خاص لا تتحمّل المزيد ممّا نكبت به فيما لا يزال جزء كبير منها خارج أرضه وبيوته، ولأنّ إسرائيل تستمر في إظهار قدراتها ورغبتها في ملاحقة الحزب ليس في الجنوب فحسب بل في البقاع كذلك.
والمعادلة هنا أنّ الحزب الرافض تسليم سلاحه للدولة يواجه مخاطر تصفية من إسرائيل وعدم القدرة على استخدامه ممّا يؤدي إلى معادلة اخرى تفضي الى تآكل أو تراجع سرديته في الوقت الذي يساهم الدعم الخارجي للدولة في إعطاء زخم لخطابها ولمؤسساتها على نحو يساهم في إضعاف الحزب. فيما يعتقد مراقبون أنّ المقاربة من الخارج تغيّرت وابتعدت عن الاشتراطات المسبقة حول نزع السلاح الى الثقة بالخطة التي بدأ بتنفيذها الجيش اللبناني ورفدها بما يلزم، وهي التي تعود في عناوينها الكبرى الى الخطة التي كان وضعها رئيس الجمهورية العماد جوزف عون حين كان قائدا للجيش لدى توقيع اتفاق وقف الاعمال العدائية في 27 تشرين الثاني من العام 2024. والمراحل التي بدأ الجيش اللبناني تنفيذها وإن كانت تتركّز على جنوب الليطاني، فإنّها فاعلة أيضاً في شماله ومن دون ضجيج فيما ان الرقابة شديدة على نقل الاسلحة او تداولها.
التفاؤل الرسمي يعتقد البعض أنّه بات مشدوداً كذلك على إظهار لبنان عبر جلستَي مجلس الوزراء في 5 آب و5 أيلول أنّه يأخذ التزاماته على محمل الجدّ، وهو نفّذ خطوتَين مطلوبتَين منه فيما أنّ اسرائيل لم تُنفّذ التزاماتها، والكرة في ملعب الولايات المتحدة إمّا لإقناعها أو للضغط عليها انطلاقا من خلفية أنّه يجب رفد الدولة اللبنانية بأوراق قوّة بحيث تنسحب إسرائيل من بعض النقاط أو توقف استهدافاتها أو تُعيد الاسرى بما يساهم في حشر "حزب الله" ونزع ذرائعه. وهو أمر تُفيد معلومات أنّه يتم العمل عليه من الجانب الأميركي وقد يحصل أمر ما قريباً. وقد يكون مستغرباً للبعض أنّ واشنطن في هذا الإطار تتفهم وجهة نظر لبنان تماماً وتدعمه كذلك. وربما هذا المبعث الاساسي للتفاؤل الى جانب التفهّم السعودي أكثر للموقف اللبناني.