مكاسرة قضائية داخل "حفرة" انفجار مرفأ بيروت

تتدافع الأسئلةُ المخيفةُ حول مآل الواقع اللبناني الذي بات يتقاذفه عصفُ الانهيار المالي الذي يشتدّ «مع كل ساعة» والتشظياتُ المتفجّرة القضائية - السياسية لملف التحقيق في «بيروتشيما»، والفرْملةُ شبه الكاملة لعجلة الحُكْم في ضوء الفراغ الرئاسي المفتوح على مزيدٍ من الدوران في... حلقةٍ مفرغة.

وسواء كان تَدَحْرُجُ الليرة أمام الدولار إلى قاع جديد، كما المكاسرة القضائية داخل «حفرة» انفجار مرفأ بيروت نتاج «ديناميةٍ» أكثر تَوَحُشاً للسقوط المالي الحرّ وبلوغِ الانسداد القضائي في ملف «بيروتشيما» قعراً أّنْذَر بتسديد «ضربة قاضية» للتحقيق المعقّد، أم أن الاندفاعةَ اللاهبة على هذين المساريْن أو أحدهما تنطوي على «سرّ» ومن خلفه «زرٍّ» قابلٍ للضغط عليه «بالتوقيت المُناسب»، فإن النتيجةَ واحدة وهي أن لبنان دخل منعطفاً بالغ الخطورة.

وفيما تَمْضي البلاد «مقطوعةَ الرأس» منذ 1 تشرين الثاني تاريخ بدء الشغور في رئاسة الجمهورية، وسط تَعَطُّل الدور التشريعي للبرلمان و«اقتناص» حكومة تصريف الأعمال جلستينْ لبتّ ملفات مُلحّة من «فم» المنازلات السياسية بين مكوّناتها، وبينما يعاند القطاع الصحي والاستشفائي «لفْظ أنفاسه» وسط التفاف الانهيار المالي حول «أعناق» اللبنانيين و«حقهم بالحياة» و«تَسوِّل» المؤسسات العسكرية والأمنية معوناتٍ غذائية ومساعدات نقدية خارجية لدعم رواتب عناصرها، لم يكن ينقص إلا «نكبة» قضائية يُخشى أن تكون «رصاصة الرحمة» على سلطةٍ اشتعلت تحت «أقواسها» مطاحنةٌ أوحى مَسارُها المتدحرج بـ«عملية ارتدادٍ» على المحقق العدلي القاضي طارق بيطار وقد لا يخرج منها القضاء... جسماً واحداً.

وإذ توالتْ «الضرباتُ» على ما تبقى من «صماماتِ أمان» في الوضع اللبناني في ضوء ما عبّر عنه خروج «المعركة» بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون إلى العلن عبر تأكيد الأول أنه «في حال استمر عون في التسلّط وتعدي حدوده، فسأتوجّه إلى مجلس الوزراء للمطالبة بإقالته»، وذلك على خلفية تكليف كل منهما ضابطاً لتسيير أعمال المفتشيّة العامّة في الجيش، استمرّتْ في الشارع وعلى الورق «داحس والغبراء» القضائية التي تختزلها المواجهة الضارية بين بيطار الذي استأنف من «تلقاء نفسه» مهمته بعد تعليقها لنحو 13 شهراً، وبين النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الذي اختار «المعاملة بالمثل» مع المحقق العدلي عبر الادعاء عليه ثم إصداره قراراً بتخلية كل الموقوفين في القضية.

وعلى وقع خشيةٍ متعاظمة من أن يستدرج التناحر القضائي المزيد من القنابل الموقوتة التي يتشابك فيها الداخلي بالخارجي في الوقت الذي يبدو لبنان وكأنه «طنجرة ضغط» معيشية تغلي فوق صفيح «الدولار الأسود» الذي تجاوز أمس 61 ألف ليرة للمرة الأولى متسبِّباً بجولة جديدة من قطع الطرق في أكثر من منطقة وفوضى في الأسواق والتسعير، شهد ملف «بيروتشيما» سباقاً محموماً بين الشارع الذي قاده أهالي الضحايا في محاولة لحماية مهمة بيطار ومنْع «الانقلاب» على التحقيق والإطاحة به واعتراضاً على تخلية كل الموقوفين، وبين مسعى القضاء للملمة شظايا «الانفجار» غير المسبوق داخل جسمه وإعادة الانتظام لملفٍ لم يَعُدْ ممكناً، وبمعزلٍ عن أحقيةِ الاجتهادِ الذي أعاد بموجبه بيطار نفسه إليه ورفَضه عويدات، إلا إطلاقه من جديد بعدما جاء «تسريح» الموقوفين، ولو باجتهاد مضاد من المدعي العام، بمثابة كسْرٍ لأحد «أقفاله».

ومنذ ساعات الصباح الأولى اعتصم أهالي ضحايا انفجار المرفأ أمام قصر العدل مواكبةً لاجتماع كان مقرَّراً لمجلس القضاء الأعلى ودَعْماً لمسار التحقيق الذي يقوده بيطار ولمرتكزات قراره بالعودة إلى مهمته متكئاً على اجتهادٍ «استوعب» عبره صلاحيات النيابة العامة التمييزية في معرض تبرير عدم حاجته لأذونات للادعاء على سياسيين وعسكريين وأمنيين وقضاة، وأفتى بموجبه بعدم إمكان ردّه أو تنحيته وفق عشرات الدعاوى المرفوعة بحقه من سياسيين مدعى عليهم.

وفي حين ندّدت اللجنة الرئيسية الممثلة لأهالي ضحايا الانفجار والمتضررين منه بما وصفتْه بـ «الانقلاب السياسي والأمني والقضائي على القانون، وعلى العدالة» عبر الإجراءات المضادة لعويدات بتخلية كل الموقوفين والادعاء على المحقق العدلي ومنْعه من السفر، محمّلة «القوى الأمنية مسؤولية أمن القاضي بيطار»، اعتبر نواب من المعارضة شاركوا في تحرك الأهالي «أن ما قام به عويدات استيلاء على صلاحيات المحقق العدلي وهو جَعَلَ دمَ مَن ماتوا برقبته»، معلنين «أنها عصفورية ويجب التصدي للميليشيات والمافيات التي تسيطر على الدولة والتي سبق أن هددت بقبْع بيطار» (في غمز من قناة «حزب الله»).

 

وبعدما سادَ اجتماع نواب المعارضة مع وزير العدل هنري خوري عِراكٌ تخلله تعرّض عدد منهم لاعتداء من مرافقي الأول إثر نقاش محتدم، وصولاً لمطالبة النائب اديب عبدالمسيح «فوراً بسجن كل عناصر الوزير، وندعوه للتنحّي»، فجّر هذا التطور غضبة كبيرة أمام وزارة العدل حيث حاول عدد من أهالي الضحايا ومتضامنون معهم اقتحامَ المبنى ما أدى إلى سقوط 3 جرحى.

وعلى بُعْد أمتار ووسط إجراءات أمنية «ما فوق استثنائية» داخل قصر العدل خصوصاً أمام مكتب مدعي عام التمييز، كانت الاجتماعات تتكثف بين أعضاء مجلس القضاء الأعلى ومع عويدات بحثاً عن مَخْرَج كان يُخشى أن يكون بتنحيةِ بيطار وهو ما استعدّ له الأهالي ونواب المعارضة ملوّحين بـ «تحرك كبير» على الأرض «منعاً لدفن التحقيق».

وتحت وطأة احتقان الشارع وبعدما كان مصدر نيابي من الذين اجتمعوا مع رئيس «القضاء الأعلى» سهيل عبود ينقل عن الأخير أنه «سيحمي المحقّق العدلي من الهجمة الشّرسة التي يتعرّض لها ولن يسمح بسحب الملفّ من يده أو بإزاحته من منصبه»، خلصت المداولات إلى عدم عقد اجتماع المجلس «تحت ضغط الشارع ورفْضاً لتدخل النواب في عمل القضاء» كما قال عدد من أعضائه.