المصدر: Kataeb.org
الكاتب: شربل دياب
الثلاثاء 19 آذار 2024 16:49:42
باتت تصرفات الدولة اللبنانية المخطوفة تتناسب مع أجندة الخاطف، وأصبح مشهداً مألوفاً وقوف ما تبقى من دولةٍ لا رأس لمؤسساتها في صف حزب الله المُهيمن على قراراتها بحكم الأمر الواقع. ونتيجةً لهذا المشهد المُستعاد ولكن بطريقة أقبح من زمن النظام الأمني اللبناني السوري، استدعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي، الأستاذ الجامعي مكرم رباح من أجل التحقيق معه في دائرة الأمن العام بخصوص مواقفه بشأن النزاع القائم بين حزب الله وإسرائيل منذ الثامن من أكتوبر الفائت.
وتبيّن لاحقاً أن عقيقي وجّه أسئلة لرباح تتعلّق بآرائه التي أطلقها مؤخراً، مشيراً إلى أنها مخالفة للبيان الوزاري وما أسماه بالإجماع الوطني، وبالتالي يُمكن تصنيف هذه الملاحقة بمحاولةٍ لقمع حرية التعبير ومحاولات إسكات المُعارضين من خلال استخدام السلطة بطريقةٍ غير منطقية، بذلك تغدو المحكمة العسكرية أداةً للضغط على الناشطين المعارضين لحزب الله، بحسب ما قال رباح أمس عقب إطلاق سراحه.
لا إجماع وطني على سياسات حزب الله
أشار الأستاذ الجامعي مكرم رباح إلى أنه خلال التحقيق معه أمس أطلق مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي تسمية "المقاومة اللبنانية" على سلاح حزب الله، لكن رباح رفض هذه التسمية واعتبر "الحزب" ميليشيا إيرانية تدافع عن السلاح غير الشرعي وعن تجار المخدرات".
رباح وفي حديثٍ لموقع kataeb.org قال: "أي حديث عن إجماع وطني حول سلاح حزب الله لا أساس له من الصحة كنقطة أولى، والفكرة الأساسية هي أن البيان الوزاري هو الموقف السياسي للحكومة، والدستور اللبناني واضح ويقضي أن الحكومة هي من تتخذ قرار السلم والحرب وليس أي طرف آخر".
وفي سياقٍ مُتّصل أضاف: "حقي بالتعبير عن الرأي محفوظ بالدستور وإن كان القاضي عقيقي لا يوافقني الرأي في مواقفي السياسية فهذه مشكلته، والحالة التي وصلنا إليها اليوم من القمع أسوأ و"أغبى" من مرحلة النظام الأمني اللبناني السوري، لأن القضاة الذين كانوا في السلك القضائي ضمن المنظومة السورية لم يستعملوا يوماً هذه الطريقة فكانوا يلفقون تهم العمالة جهارةً، أمّا اليوم فيسألون عن الآراء السياسية وعلى أساسها يُصنّفون الأشخاص ويتهمونهم بالعمالة".
وتابع رباح: "أُخلي سبيلي أمس وتُركت رهن التحقيق وفقاً للإجراءات القانونية، ويحق للقاضي حفظ الدعوى أو استدعائي مُجدداً، وفي كل الأحوال لا مشكلة بالنسبة لي طالما القاضي يطبق القانون، ومستعدٌ للمثول مرّة أخرى أمام القضاء وسأكرر أقوالي، لأن القاضي تذرع بأنه تم استدعائي نظراً لمقابلة أجريتها مع منصة "سبوتشوت" وبالتالي كان لديه شبهة بأنّي عميل، وبالنسبة لي لا يمكن لأحد أن يتهمني بالعمالة بهذه الطريقة ولو ثبتت فعلاً هذه التهم لكانت القوى الأمنية قد اعتقلتني من منزلي"، وأشار رباح إلى أنها ليست المرّة الأولى التي حاولوا من خلالها نصب كمين له لأخذ هاتفه وحاسوبه، فقد حصل هذا الأمر في مطار بيروت منذ 3 سنوات".
وقال: "من الواضح أن الحريات في لبنان أهمّ بكثير من أي مطلب آخر، وقد يكون هناك إختلاف بوجهات النظر بين الأحزاب في المطالب الإصلاحية لكن ملف الحرّيات لا مجال "للعبث به"، وبرأيي حرية التعبير مماثلة للسيادة وضمن الملف السيادي الذي ننادي به، لأنه لا يمكن بناء وطن إن لم يكن قوامه الأساسي هو العدالة وحرية التعبير".
البيان الوزاري لا قوة قانونية له
"المفكرة القانونية" تلفت من جهتها إلى أن الدستور اللبناني بعد تعديله سنة 1990 أتى على ذكر البيان الوزاري في الفقرة الثانية من المادة 64 التي نصت على وجوب عرض الحكومة لبيانها الوزاري على مجلس النواب لنيل الثقة خلال شهر من تأليفها، علمًا أن المادة 66 القديمة كانت أيضًا تشير إلى "بيان خطة الحكومة" الذي يجب عرضه على البرلمان بواسطة رئيس الوزراء أو وزير يقوم مقامه.
فالبيان الوزاري هو خطة أو مجموعة من الأهداف التي تتعهّد الحكومة بالعمل على تنفيذها انطلاقًا من صلاحياتها الدستورية أي أنّه وعد لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال اتّباع الوسائل التي يتيحها الدستور. إذ أنّ بعض تلك الأهداف قد يستوجب تعديل الدستور مثلًا أو إقرار قوانين جديدة أو فقط اصدار مراسيم في مجلس الوزراء أو بكل بساطة إصدار الوزير المعني لقرار ما. فالبيان الوزاري يتضمّن "عرض السياسة الداخلية والخارجية التي تنوي الحكومة اتباعها وبرنامج الأعمال التي تلتزم بتنفيذها، وهو الفعل الأساسي الذي تنطلق منه عملية منح الثقة أو حجبها أو نزعها".
وهكذا يتبين أن البيان الوزاري لا قوة قانونية له بذاته على الرغم من أهميته السياسية ما يعني أن المبادئ التي يكرّسها ليست ملزمةً لسائر مؤسسات الدولة الدستورية لا سيما السلطة القضائية كون هذه الأخيرة ملزمة بتطبيق القوانين فقط التي يخضع إقرارها وإصدارها لأصول خاصة نص عليها الدستور. وهي أصول لا تنطبق إطلاقًا على البيان الوزاري الذي لا يصدره رئيس الجمهورية ولا يتم نشره في الجريدة الرسمية ولا يمكن الطعن به أمام المجلس الدستوري ما يعني أنّه مجرد من أيّ قوة ملزمة ولا يدخل في البناء القانوني للدولة اللبنانية.
إذاً، القمع في لبنان اليوم، بات أسوأ من مرحلة النظام الأمني اللبناني السوري، النظام الذي حاول "جاهداً" قمع كل معارضة أو صوتٍ حُرّ ينادي بحرية لبنان وسيادته واستقلاله حينها لكنه فشل مع ثورة الأرز عام 2005 عندما تحرّر لبنان من الإحتلال السوري، أمّا رواسب هذا النظام الأحادي وأذرع إيران في المنطقة فبالرغم من ممارساتها الشنيعة الترهيبية ستسقط عاجلاً أم آجلاً، لأن الحرية إن سُلبت من شعبٍ حُرّ، ستعود من بابٍ أوسع لدحر "المُتسلّط" حتى لو بعد حين.