ملف انفجار مرفأ بيروت "إلى الثلاجة" مجددًا

إلى الثلاجة عاد مجدداً ملف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وأوقفت اندفاعة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، الذي كان قد استأنف عمله منذ أسابيع وأصدر سلسلة ادعاءات جديدة أبرزها ضد رئيسه في التراتبية القضائية، المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات.

لائحة الاتهام شملت أيضاً المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، ومدير جهاز أمن الدولة أنطوان صليبا، كما حدد البيطار جلسات استجواب للمدعى عليهم، كان أولها الإثنين السادس من فبراير (شباط) الجاري.

لكن، على عكس التوقعات التي أشارت إلى تطورات دراماتيكية نتيجة المواجهة المتوقعة بين المحقق العدلي والمدعي العام التمييزي، الذي رفض الاعتراف بدعاوى البيطار، وهدد بإصدار مذكرة جلب بحقه، واصفاً إياه بمغتصب سلطة، جاءت المفاجأة، الإثنين الماضي، بتأجيل البيطار، الذي حضر إلى مكتبه في قصر العدل، جلسات التحقيق المحددة خلال فبراير، وعددها 14، من دون تحديد موعد جديد لها.

البيطار برر قراره بالقول، "بالنظر إلى الظروف المستجدة المرتبطة بقرارات صادرة من النائب العام التمييزي، وحفاظاً على سلامة التحقيق وحسن سيره، وفي غياب تعاون النيابة العامة التمييزية، لن يكون هناك أي معنى لأي استجوابات راهناً".

وكشف مصدر قضائي لـ"اندبندنت عربية" عن أن "تراجع البيطار سبقته اتصالات مكثفة أجراها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود مع كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير العدل هنري خوري وكل من المدعي العام التمييزي والمحقق العدلي، ولم يكن قائد الجيش العماد جوزيف عون، بحسب المعلومات، بعيداً منها، وأفضت إلى تأجيل الإجراءات بانتظار إيجاد حل للأزمة المعقدة وفق ما تمنى عليه عبود، وكانت الخلاصة أن تحقيقات انفجار المرفأ عادت لنقطة الصفر".

خطوات عملية الأسبوع المقبل

وكشفت مصادر قضائية لـ"اندبندنت عربية" عن أن رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود يعمل على مبادرة بالتنسيق مع وزير العدل وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، لوصل ما انقطع بين البيطار وعويدات تمهيداً لإنهاء الأزمة المستجدة داخل الجسم القضائي، من دون أن يتضح ما إذا كانت هذه المبادرة ستسمح بعودة البيطار إلى متابعة التحقيقات من عدمه.

وفي حين ترفض المصادر الكشف عن تفاصيل المبادرة، تؤكد من جهة أخرى أن هناك حلولاً عدة باتت مطروحة ولا يمكن الحديث عنها، لكنها ستكون ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية، وهي محصورة بطبيعة الحال بالأزمة الناشئة بين البيطار وعويدات.

وتؤكد المصادر المقربة من القاضي عبود أن خطوات عملية ستبدأ الأسبوع المقبل قد يكون أول مؤشراتها عودة مجلس القضاء الأعلى إلى الاجتماع بدعوة موجهة من رئيسه لا من أي جهة أخرى، مشيرة إلى أن "الأمور إيجابية، وقد قرأ عبود في موقف البيطار خطوة حكيمة وموقفاً إيجابياً".

وعلى رغم حرص رئيس مجلس القضاء الأعلى على استكمال التحقيقات في قضية المرفأ بغض النظر عن هوية المحقق العدلي الذي لم يتصل به عبود يوماً قبل الأزمة المستجدة بينه والنيابة العامة التمييزية، فإن مصادره ترفض التعليق في شأن إمكانية عودة البيطار إلى استئناف عمله بصرف النظر عن طلبات الرد المقدمة بحقه، وتؤكد أن العمل اليوم جارٍ على إيجاد حل للمشكلة المستجدة، والتي كادت تؤدي إلى "حرب أهلية".

تحقيقات البيطار لن تتوقف

لم يخف عدد من محامي الادعاء وأهالي ضحايا المرفأ قلقهم من التأجيل المستجد لمسار التحقيقات بعد قرار البيطار إرجاء جلسات الاستجواب، وتخوف عدد آخر من أن يصب ما حدث في خانة الضغط على التحقيق ومحاولة تغيير مساره.

في المقابل، يؤكد عدد من الأهالي تواصلوا مع المحقق العدلي أن حرصه على سلامة وحسن سير التحقيق كان الدافع الأول في اتخاذه هذا الموقف الذي وصفوه بالحكيم، ورفضوا اعتبار ما حصل بأنه تراجع بقدر ما هو تريث بانتظار معالجة الإطار القضائي، خصوصاً أن أي تبليغات أو مذكرات توقيف لا يمكن أن تنفذ إلا بواسطة النيابة العامة التمييزية.

ويؤكد المدعي العام التمييزي السابق القاضي المتقاعد حاتم ماضي لـ"اندبندنت عربية" أن "التحقيق لم يتوقف، وعلى عكس الانطباع السائد بأن التعطيل سيستمر فإن البحث جارٍ عن تسوية يمكن أن تحل المشكلة العالقة بين المحقق العدلي والمدعي العام التمييزي، والأمور باتت أسهل بعد خروج الموقوفين، الذين كانت قضيتهم أساس الانقسام الذي حصل بين أعضاء مجلس القضاء الأعلى ورئيسه من جهة، ومجلس القضاء الأعلى ووزير العدل من جهة أخرى".

وفي حين يعتبر المدعي العام التمييزي السابق أن الحل الأمثل سيكون بالتوقيع على تشكيلات الهيئة العامة التمييزية، لتتمكن من النظر بدعاوى الرد بحق البيطار، فإنه يستدرك قائلاً، "لكن المرسوم يحتاج إلى رئيس للجمهورية أو إلى توقيع 24 وزيراً".

ولا نية لدى البيطار بوقف التحقيقات، كما تقول مصادر مقربة منه، معتبرة أن تأجيل جلسات الاستجواب للمدعى عليهم لا يعني وقف التحقيق الذي قرر استئنافه استناداً إلى دراسة قانونية.

الدعاوى والدعاوى المضادة 

آخر الدعاوى الموجهة ضد البيطار، والتي تخطت الـ40، جاءت من المدعى عليه الوزير السابق نهاد المشنوق، حيث قدم وكيله لدى محكمة التمييز الجزائية، طلب نقل دعوى للارتياب المشروع بحياد المحقق العدلي المكفوفة يده.

في المقابل، تقدم أهالي ضحايا المرفأ بسلسلة دعاوى ومراجعات بحق المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، على أثر إصداره قرارات إخلاء سبيل الموقوفين في انفجار المرفأ، على رغم تنحيه عن القضية لوجود صلة قربى مع أحد المدعى عليهم.

وأرسل محامو الأهالي كتاباً إلى وزير العدل لإحالة القاضي عويدات إلى هيئة التفتيش القضائي لاتخاذ القرارات المناسبة بحقه، كما تقدموا بشكاوى بحق النائب العام التمييزي بجرائم اغتصاب سلطة وتدخل في تحقيق جنائي وتهريب موقوفين وتجاوز حد السلطة، وغيرها من الجرائم الخطرة، مؤكدين أن دعاوى ومراجعات إضافية ستقدم في حق القاضي عويدات.