ملف تفجير المرفأ لا يتحرك ولا يموت: القضاء بورطة

أطاح الشلل القضائي، والجمود المسيطر على ملف تفجير المرفأ، بطموحات أهالي الضحايا المطالبين بتحقيق العدالة لذويهم. ووسط التخبطات السياسية، لا يزال مطلب تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، في واجهة الحلول المنطقية والممكنة التي يتبناها الأهالي وعدد هائل من المحامين المُتابعين لمستجدات القضيّة العالقة داخل القضاء اللبناني منذ عام 2021.

في الداخل اللبناني، يبقى تساؤل أي مواطن لبناني عن مصير هذا الملف، بعد سنتين ونيف على عرقلة مسار التحقيق بملابسات التفجير. وهذا بالضبط ما تناولته مؤشرات قضائية مؤخرًا، متفائلةً بإمكانية عودة الأمور إلى مسارها الطبيعي.

المسار المقبل
فيما يتعلق بمتابعة قضية المرفأ دوليًا، فقد أكد المحامي الدولي كميل أبو سليمان في حديث لـ"المدن"، أهمية الأسابيع المقبلة لناحية إمكانية تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، معتبرًا أن هذا المطلب بات أمرًا ممكنًا ولم يعد مستحيلًا. إذ ابتداءً من الأسبوع المقبل، أو بعده بقليل، ستُعقد بعض الاجتماعات بين لجنة أهالي تفجير المرفأ وممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وأبرزها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وأيضًا مع ممثلي الدول التي فقدت عدد من مواطنيها في التفجير، مثل أستراليا وهولندا وألمانيا.

مطالب متناقضة
مساء اليوم الأربعاء، 4 تشرين الأول، نظم أهالي ضحايا تفجير المرفأ، وقفتهم الشهريّة بمناسبة مرور 37 شهرًا على تفجير مدينة بيروت. وكما جرت العادة، انقسم الأهالي لمجموعتين، حيث كان ممكنًا لأي شخص ملاحظة التفرقة الحاصلة بين مجموعات الأهالي المنقسمين سياسيًّا.

شدّدت المجموعة الأولى من أهالي الضحايا، من أمام تمثال المغترب على "ضرورة تفعيل عمل قاضي التحقيق المكلف حبيب رزق الله للمباشرة بالتحقيق مع المحقق العدلي طارق البيطار بعد اتهامه باغتصاب السلطة، وبضرورة تشكيل هيئة اتهامية للنظر بقرار القاضي رزق الله بعد التحقيق مع البيطار".

في المقلب الآخر، وبعودة إبراهيم حطيط (شقيق الضحية ثروت حطيط، أحد مؤسسي لجنة العوائل التي انشقت عن لجان أهالي الضحايا بعد المواجهة التي أطلقها الثنائي الشيعي ضد المحقق العدلي طارق البيطار)، إلى ساحة المطالبة التّي لم يتركها أي من الأهالي بعد، عارضًا بعض "الوثائق" على وسائل التواصل الاجتماعي، يزعم فيها بأن المحقق العدلي تعامل مع قضية المرفأ باستنسابية واضحة، حيث نشر بعض الوثائق التي يزعم فيها بأن وزير العدل السابق، أشرف ريفي، الذي نفى سابقًا معرفته بوجود مادة النيترات في المرفأ، كان على علمٍ بها خلال توليه منصبه، وذلك بعد توقيعه على 3 مراسلات.

ألقيت كلمة حطيط أمام العنبر رقم 3، والذي عُرف لاحقًا باسم "بوابة الشهداء". في مضمون بيانه، "اتهم البيطار بتسييس القضية، من خلال ملاحقة بعض الأطراف السياسية المحددة، مؤكدًا بأنه سيواصل نشر كل الأدلة والبراهين التي تؤكد "استنسابية" البيطار، على أن يكون الهدف منها تحريك الرأي العام والجهات المعنية"، علمًا أنه أكد في حديثه لـ"المدن" بأنه لم يلتمس حتى الساعة أي تجاوب من قبل القضاء اللبناني حول الوثائق التي ينشرها، وأنه لن يدعم فكرة تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية.

التمسك بالقضية
يُذكر أنه في الثامن والعشرين من أيلول الماضي، إلتقى وفد من أهالي ضحايا المرفأ ومن ضمنهم أهالي ضحايا فوج الإطفاء برئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سُهيل عبود، للاستفسار عن المستجدات المتعلقة بالملف المعرقل داخل القضاء اللبناني، ولمعرفة مصير الدعوى المرفوعة ضد المحقق العدلي طارق البيطار. ووفقًا لمعلومات "المدن" فإن أجواء الاجتماع كانت إيجابية.

في السياق نفسه، أكدّت مصادر قضائية رفيعة لـ"المدن" أن الملف ولو كان عُرضة للتأجيل، فإنه حتمًا سيعود إلى طاولة النقاش مُجددًا، فيما اعتبرت مصادر قضائية أخرى أنه ونتيجة تحول هذا الملف إلى قضية مسيسة، فإن حالة الجمود مستمرة، ولا يكسرها سوى قرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، القاضي حبيب رزق الله، بعد جلسته مع البيطار، سيما أن موعد الجلسة لم يُحدد بعد. ووفقًا لمعلومات "المدن" فهو يتواجد خارج الأراضي اللبنانية حتّى العاشر من تشرين الأول الجاري.

ومن جهةٍ أخرى، أفادت مصادر مُقربة من البيطار، بإن المحقق العدلي مُصرّ على عدم تنيحه، وهو لن يتخلى عنه أبدًا وتحت أي ظرف.

على أي حال، لعلّ التفاؤل بظلّ هذا الجمود القاتل، والمُجحف بحق كل ضحايا التفجير، من القتلى والجرحى والمنكوبين والمُشردين، قد يكون بادرة لحلحلة الملف، بل وقد يعطي بعضًا من الأمل في صدور الأهالي الذين ملّوا انتظار تحقيق العدالة لأهاليهم. فالمراقب لكل مجريات القضية وسط التدخلات السياسية والطائفية، حتمًا سيلتمس الحاجة الملحة لطرح حلول ومسارات جديدة، قد تكون مختلفة عن تلك التي سلكها القضاء اللبناني سابقًا.