المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
الخميس 19 تشرين الأول 2023 15:47:00
فيما كان لبنان يوم أمس الأربعاء في حداد وطني على ضحايا القصف الإسرائيلي لمستشفى المعمداني في غزة، وأقفلت وزارة التربية جميع المدارس والجامعات الخاصة والرسمية، وقّع وزير التربية القرار رقم 813 حول نقل الأساتذة من مركز عملهم الحالي (المدرسة) إلى مدارس وثانويات أخرى. وذلك بناء على رأي مدير عام وزارة التربية ومدير الثانوية أو المدرسة.
عقاب طال عشرات الأساتذة
تلقف الأساتذة الذين تم نقلهم عنوة هذا القرار، الذي انتشر مساء الأربعاء وموقع بتاريخ 18 تشرين الأول، بامتعاض. وأشاروا على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال تواصلهم مع "المدن"، إلى أن القرار تعسفي وكيدي. فقد تم نقلهم إلى مدارس بعيدة عن سكنهم رغم عدم تقديمهم أي طلب للنقل. ووصل الأمر حد نقل أساتذة بعيداً عن سكنهم لأكثر من خمسين كيلومتراً (مئة كيلومتر ذهاباً وأياباً) في وقت باتت الضائقة الاقتصادية التي يعيشها الأساتذة، تمنعهم من الوصول إلى تلك المراكز.
طالت المناقلات الحالية نحو مئتي أستاذ في هذه الدفعة الأولى من المناقلات وستليها مناقلات أخرى. ويشير أساتذة في "لجنة الكرامة"، التي تشكلت مؤخراً من أساتذة بالتعليم الثانوي للدفاع عن حقوق الأساتذة (أي عقب قرارات وزارة التربية التأديبية بإجراء حسم على رواتب الأساتذة الذين امتنعوا عن التعليم العام الفائت)، إلى أن الوزارة عاقبت العشرات من الأساتذة بنقلهم تعسفياً إلى أماكن عمل بعيدة عن سكنهم، في إشارة إلى أن الوزارة تريد الاستغناء عن خدماتهم. وقد طالت المناقلات أساتذة كانوا ممتنعين عن التعليم العام الفائت، كي يكونوا عبرة لجميع الأساتذة هذا العام، فيما لبنان يعيش على وقع قرع طبول الحرب، يقول الأساتذة.
استبدال الأساتذة بغيرهم
القرار أتى بعد قرار آخر صدر منذ أيام حول وضع المدارس في الأقضية الحدودية في الجنوب، التي ما زالت مقفلة. وتقرر إلزام الأساتذة الذين نزحوا من قراهم الحدودية بوضع أنفسهم بتصرف المنطقة التربوية حيث نزحوا، لإلحاقهم في مدارس وثانويات قريبة من أماكن النزوح. وهذا الأمر أدى إلى امتعاض كبير في صفوف هؤلاء الأساتذة. وأشاروا إلى أن الوزارة لا تراعي أوضاعهم وظروف عيشهم حيث نزحوا ولا أوضاع عائلاتهم. ثم أتى قرار المناقلات يوم الأربعاء، أي في اليوم عينه للحداد الوطني، وأتى كيدياً وتعسفياً، وسكب الزيت على النار. وصحيح أن أساتذة كثراً كانوا قد طلبوا نقلهم إلى أماكن عمل أقرب إلى سكنهم لتخفيف الأعباء المادية عليهم، إلا أن نقل عشرات الممتنعين عن التعليم إلى أماكن بعيدة، من دون أي طلب نقل، ينم عن عقلية ثأرية، كما قال الأساتذة في لجنة الكرامة لـ"المدن".
ويشرح الأساتذة أنه منذ مساء الأربعاء تواصل عشرات الأساتذة مع "اللجنة" يشكون من أنه تم نقلهم إلى أقضية بعيدة عن سكنهم. ويؤكدون أن المناقلات كيدية وثأرية لأنها أولاً طالت أساتذة كانوا ممتنعين عن التعليم، وثانياً لأن الأساتذة لم يطلبوا نقلهم، وثالثاً لأن ثانوياتهم بحاجة إليهم وتم استبدالهم بأساتذة آخرين لتدريس المواد عينها. والأمثلة على هذه المناقلات كثيرة: ففي البقاع تم نقل أساتذة من بعلبك إلى الهرمل، أو من دورس إلى رأس العين، أو من سعدنايل إلى علي النهري. وفي الجنوب نقل أساتذة من صور إلى مرواحين أو من الشهابية إلى ديركيفا أو من الغازية إلى صيدا. وفي الشمال نقل أساتذة من البترون إلى الكورة. وغيرها من الأمثلة الكثيرة.
مخطط وأد الإضراب
ويشير الأساتذة إلى أن الوزارة لم تكتفِ بالنقل الكلي، بل وزعت حصص أساتذة على ثلاث ثانويات متباعدة جغرافياً أو في القضاء عينه، كنوع من إكمال نصابهم القانوني. لكن تم استقدام أساتذة في المواد والاختصاص عينه لإكمال عدد الساعات المطلوبة لكل مادة في الثانوية المعنية. أي بمعنى آخر، رغم حاجة الثانوية، التي تم نقل الأساتذة منها، لساعات هؤلاء الأساتذة جرت المناقلات الكيدية وتم استبدال ساعاتهم بأساتذة آخرين. والهدف، كما يشرح الأساتذة، هو تخفيف تأثير الأساتذة في حال فكروا باللجوء إلى الإضراب عندما ينكشف ظهر الوزارة بعدم قدرتها على دفع الحوافز الدولارية الموعودة. فعندما يلجأ الأساتذة "المشاغبون" إلى الإضراب لا تتأثر الثانوية بجميع الساعات المطلوبة للمادة المحددة. بل تتأثر جزئياً.
تتحسب وزارة التربية للأيام المقبلة. فالسلفة التي حصلت عليها لدفع الحوافز الدولارية للأساتذة لا تكفي إلا لثلاثة أشهر. وفي حال لم تتمكن من تأمين منح خارجية أو سلف أخرى من الحكومة، تقع في عجز عن الدفع في مطلع العام المقبل، ويفرض الإضراب نفسه. وبالتالي، أتت المناقلات التأديبية من ناحية، وتوزيع نصاب الأساتذة على ثانويات عدة، كوسيلة لعدم تأثر التعليم بالثانويات بشكل كامل في حال اللجوء إلى الإضراب، كما حصل العام الدراسي الفائت. وتزامنت المناقلات مع استدعاء أساتذة للتحقيق معهم في المفتشية التربوية وفي مديرية التعليم الثانوي، في خطوة تشي بأن الوزارة تريد تمرير العام الدراسي بالتأديب والعقاب.