المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الجمعة 19 نيسان 2024 07:18:53
يحاول حاكم مصرف لبنان بالإنابة لملمة ما يقدر عليه قانوناً وظرفاً، وما تتيح له إمكانياته والصلاحيات التي آلت إليه في تدبّر شؤون وشجون هيئة الأسواق المالية بما يحفظ من جهة الأمانة التي وُضعت بين يديه، ومن جهة أخرى ضبط النفقات والمصاريف في عملها. من هنا، وبالرغم من الموقف القانوني لمجلس شورى الدولة الذي أوقف قرار الحاكم بالإنابة إقفال هيئة الأسواق المالية نهائياً لنقص الصلاحيات، أصرّ منصوري على إعادة هيكلة الهيئة من خلال إصداره قراراً تبلغه الموظفون شفهياً، وقضى بتقليص عددهم من نحو 42 موظفاً الى 12 موظفاً تقريباً.
وضع الهيئة لا يُحسد عليه، بعدما تدنّت إيراداتها كثيراً خلال الأزمة مع توقف المصارف والمؤسسات المالية عن دفع الاشتراكات المتوجبة، وبعدما رفض المجلس المركزي لمصرف لبنان تمويلها. وكذلك فعل مجلس الوزراء برفضه تقديم سلفة لها بناءً على طلب حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري.
من هنا لم يكن أمام منصوري ومجلس إدارة الهيئة إلا خيار واحد هو إقفال الهيئة ومنح العاملين فيها خياري الاستقالة الطوعية أو القبول بالاستيداع من دون راتب. ولكن المراجعة التي تقدّم بها عضو مجلس الإدارة الهيئة وليد القادري والأمينة العامة نادين عبد النور وعدد من المستخدمين أمام مجلس شورى الدولة ضد قرار وقف أعمالها ومنح العاملين فيها مهلة محددة للاستقالة أو للموافقة على الاستيداع، فرمل قرار المنصوري فترة، ليعيد إحياءه بقرار خفض عدد الموظفين الى أقلّ من الثلث تقريباً.
القرار الذي توصّل إليه منصوري، اعتبره البعض التفافاً على قرار مجلس شورى الدولة في شباط الماضي. فإن كان قرار الإقفال وفق المراجعة، تشوبه ثغرات قانونية عدة ومخالفات لقانون الهيئة وصلاحيات مجلس إدارتها، وينهي بقرار إداري عمل مؤسسة منشأة بموجب قانون في المجلس النيابي، الذي تعود له وحده حصرية وقف العمل بالقانون أو تعديله، فإن القرار الحالي خفض عدد الموظفين هو من صلاحية مجلس الإدارة، وتالياً لا يمكن الطعن به. بيد أن الالتفاف على قرار مجلس الشورى وفق المعترضين جاء على خلفية أن خفض عدد الموظفين أفرغ الهيئة من الكفايات وأبقى على أعضاء مجلس الإدارة وسائقيهم وعدد قليل من السكرتيرات. ولكن هذا الكلام استغربته مصادر مطلعة على القرار، معتبرة أن السائقين الذين لم يشملهم قرار الاستغناء عنهم سيعاد توزيع مهامهم، بعدما تم الاستغناء عن الموظفين في قسمي الأمن والصيانة.
وعلم أن الحوافز التي أعطيت للموظفين المصروفين تقضي بمنحهم تعويضات بين 22 شهراً و24 شهراً، علماً بأن موظفي الهيئة يتقاضون (16 شهراً).
"النهار" تواصلت مع مصدرين في مجلس إدارة هيئة أسواق المال أحدهما يؤيّد إجراءات الصرف والتخفيف من النفقات في انتظار عودة الانتظام الى الأسواق المالية، والآخر معارض تماماً لهذه الإجراءات على خلفية أن دور الهيئة يتجلى أكثر في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المصارف والمؤسسات المالية.
المصدران أجمعا على أنه خُفض عدد الموظفين الى نحو 12 موظفاً، فيما الآلية التي اعتمدت قضت بإبقاء المديرين الذين يشغلون مراكز تنفيذية لتسيير الأعمال، وتحديداً أولئك القادمين من مصرف لبنان الذين أسّسوا الهيئة منذ 2014، على نحو أن لا تفرغ المؤسسة من دورها الأساسي وتم الاستغناء عن البقية، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض المديريات في الهيئة لا يمكن أن تعمل بشخص واحد، فترك لها شخص واحد يساعدها مثل الدائرة القانونية.
أما بالنسبة للسائقين، فيؤكد المصدر المؤيد للقرار أن مهام هؤلاء ستتبدل، إذ لم يعد هناك قسم للأمن أو الصيانة وتالياً ستتوزع عليهم هذه المهام وغيرها من المهام التي لا يمكن للمديرين أو الموظفين القيام بها. أما التعويضات التي خصصت للمصروفين فهي برأيه عادلة نوعاً ما وأكثر مما يسمح به قانون العمل لحالات مشابهة.
ولكن التحدي الأكبر برأيه، هو ما إن كان "ثمة قرار لاستمرارية عمل الهيئة أم ثمة اتجاه الى إقفالها نهائياً. فالحاكم بالإنابة كان قد أكد على دور الهيئة والاستمرار بعملها بأقل عدد ممكن من الموظفين، لكي يكون في استطاعتها الاستمرار أكبر فترة ممكنة بغياب التمويل".
ويشير الى أن "الأجواء الخلافية التي كانت سائدة داخل الهيئة، لم تكن تسمح للهيئة بالتطور أو العمل بديمومة. والحاكم من خلال قراره هذا حلّ المشكلة، فأبقى على من جاء من مصرف لبنان لتسيير الأعمال، إضافة الى بعض الأشخاص الذين أوكلت إليهم المهام اللوجتسية. كما أبقى على موظف واحد في كل مديرية من مديريات الهيئة"، مؤكداً أنه "في المرحلة المقبلة، وإذا تأمّن التمويل سيفتح باب التوظيف، ويمكن أن تكون الأولوية للموظفين الذين لديهم كفايات وخبرة في الهيئة".
ولا يخفي المصدر أن راوتب موظفي الهيئة أصبحت غير عادلة بعد الانهيار الذي أصاب الليرة، فيما السؤال الأكبر هو ما مصير من بقي في الهيئة، وهل سيتم تحسين وضعهم أم لا؟ وينتظر هؤلاء أن يضع الحاكم بالإنابة خريطة طريق لعمل الهيئة، إذ ثمة حديث عن تخفيف الأعباء والمصاريف ومنها نقل المقر الرئيسي للهيئة الى مكان آخر ومحاولة تأمين تمويل. وعلى ضوء الخطة التي سيضعها منصوري سيقرر من بقي من موظفين الاستمرار في العمل أم لا.
المصدر المعارض لقرار الحاكم، يرى أن "الوقت غير مناسب لتقليص عدد الموظفين الى هذا الحد، وإن كان ثمة ضرورة لذلك لعدم وجود عمل لهم كما السابق، ولكن كان يجب تقديم حوافز لهم لترك العمل على أن يكون ذلك اختيارياً". ولكن هذا الاقتراح وفق ما يقول "جوبه بمعارضة من أعضاء مجلس الإدارة على خلفية أنه يمكن أن يؤدّي هذا الاقتراح الى نتائج عكسية فيستقيل ذوو الكفاءات ويبقى من هم ليست الهيئة بحاجة لخدماتهم".
واعتبر المصدر أن قرار الحاكم هو التفاف على قرار مجلس شورى الدولة عدم إقفال الهيئة، فتم تفريغها من الكفاءات التي يمكن أن تنهض بالهيئة والإبقاء على من لا قيمة مضافة له.
وفيما يكثر الحديث عن توظيف عدد من الموظفين في المرحلة المقبلة، يسأل المصدر: لمَ الاستغناء عن الكفاءات في الهيئة ما دام سيصار الى الاستعانة بآخرين جدد؟ ولماذا إضاعة الوقت بتدريبهم؟
ويستغرب المصدر الحديث عن انتفاء دور الهيئة في هذه الظروف التي تمر بها البلاد وتعطل الأسواق المالية تحديداً، خصوصاً أن من أبرز مهامها تعزيز أسواق رأس المال وتطويرها، وحماية المستثمرين من الأنشطة الاحتيالية، والرقابة والتدقيق المناسبان على جميع المؤسسات التي تتعامل بالأدوات المالية. ويعتبر أن دور الهيئة مهم جداً حالياً "خصوصاً في ظل عدم قدرة المصارف على إعطاء القروض للمؤسسات والشركات، وتالياً فإن المجال الوحيد لحصول هذه المؤسسات والشركات على قروض هو من الأسواق المالية، إذ تعمد المؤسسة أو الشركة إلى إصدار سند دين (corporate bond) أو ورقة مالية وتبيعه للعموم عبر البورصة بما يؤدي الى حصولها على أموال فريش، وكذلك الى تفعيل عمل البورصة، كما المساهمة في تشغيل الاموال المخبأة في المنازل في الاقتصاد. ومن جهة أخرى يفعل عمل هيئة الاسواق المالية التي تمر عبرها هذه الاوراق المالية، إذ تعمل وحدة التدقيق في الهيئة على دراستها والتأكد من شفافيتها".