المصدر: العربية
الخميس 29 آب 2024 15:42:56
عندما أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي يوم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في 31 تموز أن بلاده ستأخذ الثأر بنفسها وبشدة من إسرائيل على اغتيال ضيفها، غرق العالم في قلق من اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، لا سيما أن المسؤولين العسكريين والسياسيين الإيرانيين ظلوا يرددون حتمية الرد باستخدام عبارات "الانتقام المزلزل" و"الرد الماحق".
لكن بعد نحو شهر على تلك التهديدات، تحول موقف طهران من "الانتقام الشديد" إلى "الرد المحسوب"، تجنباً لتصعيد قد يؤدي إلى حرب غير متوازنة.
فمؤخراً بدأ المسؤولون الإيرانيون يعتبرون الولايات المتحدة "شريكا في الجريمة" مع إسرائيل، مؤكدين أن الانتقام سيتم عبر "محور المقاومة".
ميزان القوى
أما أسباب تغير اللهجة فمتعددة، من ضمنها اعتبار إيران أن ميزان القوى في حرب مباشرة مع إسرائيل المدعومة بشكل واسع من الولايات المتحدة يعرض منشآتها النووية والعسكرية والبنية التحتية إلى خطر الاستهداف.
كما أن مسعود بزشكيان الذي تولى الرئاسة مؤخرا مدعوما من التيار "الإصلاحي أطلق وعودا كثيرة، أهمها صيانة الحريات المدرجة في الدستور، ومحاربة الفقر والبطالة والتضخم، من أجل ردم الهوة بين النظام والشعب والتي ظهرت بوضوح في عزوف نسبة كبيرة عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة".
وبما أن تحقيق هذه الوعود يتطلب تجنب الحرب من جهة، والدخول في حوار مع الولايات المتحدة حول الملف النووي، ومن ثم الوصول إلى اتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية الصارمة، فإن خيارات إيران باتت واضحة.
التفاوض مع "العدو"
وفي السياق، دخل المرشد الإيراني صاحب كلمة الفصل في الحكم، على الخط، بأسلوب براغماتي معهود، فأعلن دعمه لرئيس مقرب من التيار الإصلاحي من جهة، وألمح قبل أيام إلى التفاوض "مع العدو" من جهة أخرى.
فخلال تصريحات ألقاها يوم الثلاثاء الماضي واعتُبرت ضوءاً أخضر لبدء الحوار مع واشنطن، قال خامنئي: "لا نعقد آمالنا على العدو، ولكن هذا لا يتعارض مع التعامل معه في مواقف معينة".
وفي رد فعل مختصر على تصريحات المرشد، كتب الكاتب الصحافي الإصلاحي المعروف أحمد زيد آبادي: "الآن وقد أجاز المرشد التعامل مع العدو، فمن الضروري أن تبدأ حكومة بزشكيان، دون إضاعة الوقت، في التفاوض مع الدول الغربية لرفع العقوبات، لعل هذا البلاء الذي يهدد حياة الإيرانيين يُرفع في أقرب وقت ممكن".
خطوط حمراء
لكن على الرغم من الضوء الأخضر هذا، فقد حدد خامنئي خطوطا حمراء لأي محادثات قد تُجرى من قبل حكومة بزشكيان، مجددا تحذيراته من أن واشنطن ليست جديرة بالثقة.
ما أعاد إلى الأذهان التصريحات التي أدلى بها قبيل السماح ببدء المفاوضات مع الأميركيين في سلطنة عمان والتي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي العام 2015 مع دول 5+1، حيث وصف التفاوض مع "الشيطان الأكبر" حسب الأدبيات الإيرانية بـ"المرونة الشجاعة".
كما فاوضت طهران واشنطن بوساطة عمان وقطر، بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي من طرف واحد في 2018، وفرض إدارته عقوبات مشددة على إيران.
تفضل الديمقراطيين
إلى ذلك، قال خامنئي أيضا يوم الثلاثاء: "بعد بذل كل ما في وسعنا، قد يكون التراجع التكتيكي ضروريا في بعض الأحيان، لكن يجب ألا نتخلى عن أهدافنا أو آرائنا".
ومعلوم أن الولايات المتحدة تقترب من يوم الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر، فيما المنافسة على أشدها بين نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس، والرئيس السابق المنسحب من الاتفاق النووي دونالد ترامب.
وتشعر طهران بالتالي بالقلق من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لذا تفضل فوز رئيس ديمقراطي، وهذا التفضيل يشكل عاملا إضافيا في تحول موقفها من "الانتقام الشديد" إلى "الرد المحسوب" الذي لم يتم تحديد سقف زمني له.
لاسيما أن بعض المراقبين يرون هاريس أكثر ليونة في ما يتعلق بإعادة التفاوض حول نووي إيران. فقد ذكرت شبكة RANE، وهي شركة استخبارات أنه إذا فازت هاريس "سيرتفع احتمال التوصل إلى اتفاق نووي مع انحسار الحرب بين إسرائيل وحماس".
كما رأت أنه بمجرد بدء المفاوضات، من المرجح أن تطلب إيران مزيدا من الضمانات بشأن احتمال انسحاب الولايات المتحدة من أي اتفاق جديد بعد انسحابها السابق في 2018.
يذكر أن تصريحات خامنئي الأخيرة بخصوص "التعامل مع العدو" جاءت بعد يوم واحد من زيارة رئيس وزراء قطر للبلاد.
"سنحكم على الأفعال"
في حين أكدت الخارجية الأميركية أنها ستحكم على القيادة الإيرانية من خلال أفعالها، وليس أقوالها، حسب ما نقلت وكلة أسوشييتد برس.
كما أضافت أن الدبلوماسية هي أفضل وسيلة لتحقيق حل فعال ومستدام فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، مشيرة إلى أن "الوضع الحالي بعيد تماما عن ذلك، نظرا للتصعيد الإيراني على جميع الصعد، بما فيها المجال النووي.
ومنذ انهيار الاتفاق النووي ودخوله مرحلة الموت السريري، تخلت إيران عن جميع القيود التي فرضها الاتفاق على برنامجها، وبدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي قريبة من النسبة اللازمة لإنتاج الأسلحة النووية والبالغة 90%.
كما عطلت كاميرات المراقبة التي نصبتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما منعت بعضا من أكثر مفتشي الوكالة خبرة من زيارة مواقعها النووية.