المصدر: وكالة الأنباء المركزية
السبت 28 كانون الثاني 2023 13:28:04
تعترف مراجع سياسية أنه لم يعد ممكنا الفصل ما بين ما تعانيه مختلف السلطات الدستورية، فقد تداخلت الملفات وتعقدت و تناسلت الى ان فقدت أي شكل من أشكال التعاون والتنسيق المطلوب في ما بينها، الى درجة بات الحل يحتاج الى سلة كاملة ومتكاملة من التفاهمات لإحياء العلاقات الواجب قيامها بينها جميعها، وخصوصا ان معاناة كل منها جعلها على مسافة بعيدة عن بعضها وان وجد اي خط اتصال فعلى قواعد طائفية وسياسية لا ادارية ولا قانونية.
ولشرح هذه المعادلة قالت مصادر سياسية وديبلوماسية لـ "المركزية" انه لم يعد ينقص اللبنانيين بعد التعنت الداخلي واستمرار المناكفات التي أدت الى شل العمل الحكومي وتقييد حركة المجلس النيابي وحصرها بملف انتخاب الرئيس قبيل الانفجار القضائي سوى فقدان الآمال التي عقدت على بعض المبادرات الداخلية والاقليمية. فقد بلغ الفشل مرحلة فقد فيها اي منفذ مرئي لشكل الحل الذي يمكن ان يقود الى خريطة الطريق المؤدية الى اعادة تركيب السلطات الدستورية العرجاء منذ خلو سدة الرئاسة من شاغلها.
وعليه قالت المصادر ان الرهان الذي عقد على الحراك الداخلي فرملته ظروف إقليمية ودولية معقدة عززت الربط الجهنمي بين الساحة اللبنانية والساحات المتفجرة في المنطقة. ولم يعد هناك أي بصيص لأي من المبادرات التي أطلقت على اكثر من مستوى. وفي مقابل النفاذ ببعض الجلسات الحكومية التي خصصت لمعالجة بعض القضايا الاجتماعية الطارئة دخل الشلل الى المجلس النيابي بعد تجميد مسلسل جلسات انتخاب الرئيس في ظل صعوبة القيام بأي دور تشريعي نتيجة اصرار اقلية نيابية يمكنها ان تعطل هذا الدور باقل كلفة معينة طالما ان هذا المجلس لم يتمكن من القيام بأبرز المهام المنوطة به منذ الاول من ايلول الماضي لانتخاب الرئيس.
والى هذه الصورة السوداء التي عممت الشلل الحكومي والنيابي جاءت ظاهرة "الجنون القضائي" التي تسللت الى قصر العدل لتوحي باستحالة القيام بأي مبادرة يمكن ان تخرج البلاد من مآزقها في ظل اهمال عربي ودولي لكل ما يجري على الساحة اللبنانية بطريقة مربكة جعلت القوى الداخلية مجمدة عند السقوف العالية التي رفعتها قبيل الاستحقاق الرئاسي ولم يعد أحد منهم قادرا على العودة ولو لخطوات قصيرة الى الوراء ان وجدت قواسم مشتركة ما زالت مفقودة الى اليوم.
وما يوحي بهذه المعادلة السلبية الفشل الذي انتهت اليه مساعي "حزب الله" لتكوين الحد الادنى المطلوب للكشف عن مرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية بالاصالة عنه وبالإنابة عن الثنائي الشيعي فوضعه على رصيف الانتظار مكبل اليدين. وفي المقابل تجمدت مساعي قوى المعارضة ومعهم مجموعة من النواب التغييريين للبحث عن كيفية رفع عدد المؤيدين للنائب ميشال رينه معوض فتوقفت كل المساعي التي بذلت لهذه الغاية وانهمك البعض منهم بالبحث عن مرشح جديد يمكنه ان ينطلق من الحد الادنى المطلوب للاستمرار في المواجهة المفتوحة مع الفريق الآخر.
في هذه الاجواء، توقف المراقبون أمام بعض التسريبات التي تحدثت عن احتمال احياء "الاكثرية الدقيقة" التي بنيت بميزان الجوهرجي لترشيح فرنجية بعد ضمان النصف زائد واحدا له، لتعبر عن الريبة بإمكان بلوغ هذه المرحلة، ليست لانها صعبة المنال بل لأنها ستكون رهن القدرة على توفير حضور ثلثي عدد النواب لضمان الانتقال الى هذه المرحلة بما تحمله من تحديات. ولذلك فقد اعتبرها العارفون بالتفاصيل بانها فصل من فصول الحرب النفسية التي يخوضها البعض. وأول اهدافها زرع الشكوك المتنامية بين مجموعة الكتل الصغيرة والنواب المستقلين العاصين على تلبية ما يتمناه الثنائي الشيعي وحلفائه.
والى هذه المؤشرات التي لا تنبىء سوى بمزيد من الاهتراء في الدولة ومؤسساتها بفعل الانهيار الاقتصادي والنقدي وفي ظل فلتان الدولار الاميركي وانعكاسات الجنون القضائي القائم يبقى الاخطر ان توجهت الايدي التخريبية الى التلاعب بالوضع الأمني. ولذلك توجهت الأنظار الى الادوار المناطة بالجيش والقوى العسكرية والامنية التي تحولت الضمانة الوحيدة للحد الادنى من الاستقرار الامني وسط مخاوف من سيناريوهات عدة قد وضعت في غرف سوداء ولاهداف لم يتوصل الى تحديدها احد بعد سوى الاجماع بانها وفي حال نجحت ستؤدي الى نوع من الفلتان الأمني الذي قد يصب في اتجاه قيادة البلاد الى حيث لا يستطيع لجمه أحد.
وعليه فقد توقفت المراجع عينها امام بعض التسريبات الخطيرة التي تحدثت عن إشكالات بين قائد الجيش ووزير الدفاع فوضعتها في إطار التشويش على الوضع الأمني للتغطية على كل أشكال الفشل الحكومي والنيابي ومحاولة فرض سيناريوهات تؤدي الى ضرب المؤسسات العسكرية التي تحولت بعد الانهيارات الشاملة في المؤسسات المختلفة اخر الضمانات المتوفرة لبقاء هياكل الدولة ومؤسساتها.
وختاما تطمئن المراجع الدبلوماسية التي تعاين ادق التطورات ان الرهان على ضرب الجيش والمؤسسات العسكرية والامنية رهان خاسر ومخز وعلى من يفكر بهذه المشاريع التراجع عنها بسرعة. فالإهمال الدولي والإقليمي بما يجري في المؤسسات الحكومية والإدارية لا يتعلق ولا ينطبق على العناية الكبيرة التي تحظى بها المؤسسات العسكرية والامنية وهي وضعت مختلف قدراتها لتعطيل أي سيناريو يمس الأمن ومن سيلعب هذا الدور سيكون حسابه عسيرا ولا يمكنه أن يتصور ما ستكون عليه ردة الفعل .
بالمختصر المفيد تختم المراجع العليمة لتكشف عبر "المركزية" ان هذه المعادلة الاخيرة كانت مضمون رسالة دولية واممية واضحة وصريحة نقلت الى مختلف "مدعي المسؤولية" على كل المستويات الحكومية والنيابية والسياسية والحزبية وان الحراك الذي شهدته الايام الماضية والمؤتمرات التي خصصت لدعم المؤسسات العسكرية خير دليل على قوة هذه الرسالة ووضوحها ومن يتجاهلها سيكون مستهدفا بكل الوسائل المتاحة وهي موجعة للغاية.