من الصحّاف إلى عفيف... متلازمة الإنكار

ليست المرة الأولى التي يخرج فيها مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" محمد عفيف بهذه الحالة من الإنكار التي تجافي وقائع الميدان الذي يحتكم إليه مع قيادات حزبه. وليست المرة الأولى التي يخرج فيها بمواقف تناقض أقوال الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم ما يعكس حالة التخبط التي يعيشها الحزب.

خرج عفيف في خطاب أعادنا بالذاكرة إلى حقبة نظام البعث العراقي وتحديداً إلى خطابات وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف والتي تحولت عبر السنين مثار سخرية واستخفاف. فكما كان الصحاف يجافي الواقع يومها ويبيع الشعب العراقي البطولات الوهمية فيما كانت الدبابات الأميركية على مشارف اقتحام الفندق الذي كان يقيم فيه، هكذا يطل عفيف في استعراض ممجوج من قلب الدمار يخاطب فيه البيئة الحاضنة بالأوهام بعدما اكتشف مسؤولو "الحزب" أن أضاليلهم لم تعد تنطلي على أكثرية الشعب. يقول عفيف إن العدو عجز عن احتلال قرية لبنانية واحدة مستشهداً بقلعة الخيام التي وصفها بالشاهدة الحية على بطولة المجاهدين. هذا في الخيال أما في الواقع وتحديداً في الاحتكام إلى الميدان فيظهر وبالفيديوات توغل الجيش الإسرائيلي في العديد من القرى والبلدات الحدودية حتى عمق يقارب 40 كلم وتدميرها بشكل كامل لخلق منطقة عازلة تسمح بعودة مستوطني المنطقة الشمالية، وكأن تدمير قرى بأكملها ليس بفداحة التوغل والإحتلال.

أما التناقض الفاقع الذي وقع فيه عفيف فهو تعويم العلاقة مع الجيش، وخانته الذاكرة أن أكثر من صوّب واستهدف الجيش اللبناني هي المقاومة، وقتل الطيار سامر حنا وتحديداً في الجنوب خير دليل على دعمهم للجيش وقتلهم العديد من الضباط خصوصاً في البقاع في ثمانينات القرن المنصرم، أيضاً يشكل مضبطة تكذيب للتقية التي يمارسها "الحزب". ولعل الهجوم الذي يتعرض له الجيش وقائده من محور المقاومة وفجّره الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير بمسألة تقديم استفسار عما حصل بخصوص الإنزال البحري في البترون، خير دليل على أن المقاومة تحولت رأس حربة في التصويب على الجيش لقطع طريقَي التمديد والرئاسة على جوزيف عون.

إقليمياً، خرجت القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض حول لبنان وغزة برئاسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بمسوّدة مشروع قرار حمّلت إسرائيل مسؤولية فشل مفاوضات وقف النار في لبنان وغزة، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار في لبنان والإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة استناداً للدستور وتنفيذ اتفاق الطائف. كما أكدت دعم الجيش اللبناني باعتباره الضامن لوحدة البلاد، وتقديم المساعدات الإنسانية للحكومة اللبنانية.

من الواضح أن القمة تسعى إلى حشد موقف عربي موحد يدعم وقف إطلاق النار ويغلب الدبلوماسية، قد يشكل خريطة طريق يحملها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على محمل الجد. لكن الأهم والأبرز أن القمة شددت على أمرين ملحّين هما الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية ودعم الجيش اللبناني باعتباره الضامن لوحدة البلاد. وفيما القاصي والداني يدرك الجهة المعطلة لانتخاب رئيس على مدار سنتين من الفراغ والجهة التي تعيق تسلح الجيش وانتشاره، تبدو هذه المقررات غاية في الأهمية لاعتبارت عدة ان انتخاب رئيس سيادي يعتبر الضامن الوحيد لتنفيذ القرار الدولي 1701 ونشر الجيش على كامل التراب اللبناني ليس الهدف بحد ذاته، إنما وسيلة لتحقيق الهدف بمنع المظاهر المسلحة.

من جهته أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في كلمته التزام الحكومة اللبنانية الثابت والراسخ بالقرار الدولي 1701 بكل مندرجاته وتعزيز انتشار الجيش في الجنوب بالتعاون الوثيق مع القوات الدولية لحفظ السلام، والعمل على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل الحدود المعترف بها دولياً.

ميقاتي الذي التقى ولي العهد السعودي وعدداً من الحكام العرب توجه في كلمة أشبه إلى التسوّل يستعطف فيها الدول العربية للتكرّم بمساندة الدولة اللبنانية، من دون الإشارة إلى أن سبب الأزمة سياسي بامتياز بسبب هيمنة محور الممانعة على قرارات الدولة المصيرية وتماهي مواقف الحكومة مع مواقف المحور. وهل من أحد ينسى عبارة ميقاتي الشهيرة أن قرار الحرب ليس بيد الحكومة.

ولأن القرار بات بشكل مباشر بعهدة إيران، التي قررت منذ فترة أن تفاوض على القرار 1701 مع الفرنسي عادت اليوم لتؤكد على لسان رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف لرئيس مجلس النواب دعمها لتنفيذ القرار الدولي فيما المضحك المبكي أن المعني الأول بهذا القرار إيران لكف يدها عن الحزب ولبنان والتوقف عن مده بالسلاح الذي استباح الشرعية.

أما واقع الميدان فعلى حماوته ولعل الغارة الأعنف كانت على عين يعقوب في عكار وأدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. في المقابل يواصل الإعلام الإسرائيلي الترويج لاقتراب الوصول إلى صفقة لوقف إطلاق النار وهذا ما نفاه اليوم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر الذي قال "سنكون جاهزين للتسوية إذا أصبح "حزب الله" بعيداً من حدودنا الشمالية وتراجع إلى ما وراء نهر الليطاني".