من جند الرب إلى جنود الفيحاء ظواهر أمنية غير انضباطية ...لولا "جند الله"!

تحت مسمى"جنود الفيحاء" بدأت مجموعة من الناشطين "الطرابلسيين بقيادة عبد العزيز طرطوسي بالتحرك في عاصمة الشمال رافعة راية ثلاثة لاءات"لا للترويج للمثلية في مدينة طرابلس، لا للإعتداء على المقدسات الدينية، لا لسرايا المقاومة في المدينة" . وما بين جنود الفيحاء في طرابلس وجنود الرب في الأشرفية يبقى السؤال أين جنود الدولة؟

الولادة غير الطبيعية لـ"جنود الفيحاء" بدأت مع موجة محاربة "المثليين" ومن حينه  بدأ الترويج لقبول المساعدات وفتح باب الإنتساب مما يبعد نظرية الفقاعة ويطرح أكثر من علامة استفهام حول هذه الظواهر التي تتنامى كالفطريات في ظل تراجع دور الدولة وتحديدا مؤسساتها الأمنية والقضائية.

الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي لا يستغرب " ولادة ظواهر أمنية أو إجتماعية مماثلة في ظل حال الفلتان والإنهيار وتفكك مؤسسات الدولة وغيابها السياسي شبه الكلي عن معالجة الأوضاع المتردية خصوصاً المعيشية والأمنية".

وعن تنامي هذه الظواهر في الآونة الأخيرة يقول الزغبي لـ "المركزية" أنه " ليس مستبعدا طالما أن ل"الله" حزباً أدّى وجوده خارج الدولة إلى تشجيع بروز هذه النتوءات الأمنية والإجتماعية لأنه هو في حدّ ذاته كان منذ تأسيسه نتوءا في الحالة اللبنانية التي استقرت عبر التاريخ على أنماط وعلائق إجتماعية معينة حكمتها مفاهيم عامة تتصل بحد أدنى من العقلانية والموضوعية والديمقراطية. ونتيجة التفلّت الذي سجله الحزب خصوصاً في مرحلة ثورة 17 تشرين الثاني بحيث لجأ إلى وسائل متعددة لقمع هذه الظاهرة، إضافة الى محاولاته المتكررة لاختراق المناطق والبيئات الخارجة عن بيئته كما حصل مراراً على خط الطيونة-عين الرمانة كذلك على خطوط الأشرفية فضلاً عن بعض أحياء بيروت الثانية التي لا تؤيد نهجه وسياسته".

ما تقدّم يؤشر الى أن الغاية تبرر الوسيلة. لكن "نشوء مثل هذه الظواهر كنتيجة طبيعية للمخاوف والتعديات التي سبّبها سلاح حزب الله لا يبرّر فلتانها عن المهمة الأصلية التي كُلِّفت بها. ففي الأشرفية مثلاً عُرفت ظاهرة"جنود الرب" كفريق للحراسة وحماية الأحياء والأهالي من التدخلات الغريبة. لكن التمادي في التحرك والتصرف بحجة الحماية الأهلية والأمنية تعني أن الأمور بدأت تُفلت من عقابها وبات من الضروري إعادة هذه الظاهرة إلى منحاها الإجتماعي الأصلي، ومنعها من التحوّل إلى عبء إجتماعي على بيئتها. والحال نفسها بالنسبة إلى "جنود الفيحاء". ويضيف الزغبي"إذا كان الوضع اللبناني بحاجة إلى حمايات مناطقية وموضعية خوفاً من الضغوط الأمنية الوافدة من خارج هذه المناطق تارة تحت حجة النزوح السوري ، وتارة أخرى تحت حجة سرايا المقاومة التي يحركها "الحزب" فإن القيادات المعنية في هذه المناطق مسؤولة عن تنظيم هذه الحمايات بحيث تبقى ضمن نطاقها البلدي الشرعي ولا تتحول إلى مجموعات لا تحكمها أي ضوابط".

عديد "جنود الفيحاء" لا يتعدى العشرين فردا أما "جنود الرب" فباتوا يشكلون فصيلاٌ في الظاهر وربما أضعافه على الأرض. مع ذلك يرجح الزغبي "ان لا تتمدد هذه الظواهر طالما أن هناك تحسساً ورفضاً من قبل الأهالي". وفي استعادة لمشهدية الحمايات الذاتي سابقا يلفت إلى أنها "كانت أكثر انضباطية وانتظاماً، وكانت تحت رعاية القوى الحية والمسؤولة في هذه المناطق خصوصاً في فترات غياب الدولة".

إلى التفلت وغياب المرجعيات التي تتحكم بانضباطية هذه المجموعات ثمة خيط يفصل بين ديمغرافية منطقة عن أخرى. وهنا، لا بد من الإعتراف بسلبية هذه الظواهر داخل المدن والأحياء ذات التنوع الإجتماعي والطبقي وكذلك الطائفي. ففي طرابلس، يقول الزغبي، لا يمكن أن يُسمح بتنظيم أو بمجموعة ذات بعد طائفي أحادي وذات هدف سياسي لتعميق الصراعات بين القوى الفاعلة في المدينة، لذلك من السهل مراقبة وضبط الظاهرة في منطقة الأشرفية مثلا بينما في حال استفحالها في مدينة كطرابلس، تصبح المسألة أكثر تعقيداً وصعوبة".

يدّعي طرطوسي قائد مجموعة "جنود الفيحاء" أن المجموعة تضم حاليا نحو خمسين شابًا، ويشير إلى إقبال إضافي إليها، على أن يتم الإعلان كل فترة عن الأعداد الجديدة. ومن طموحاتهم "التطور حتى تصبح حزباً أو حركة أو جمعية، لضمان إطار قانوني واضح. يحصل كل ذلك وأجهزة الدولة غائبة أو مغيبة عن السمع. وقد يكون ذلك كافياً لتبرير هذه الظواهر الأمنية لتأمين الحماية الذاتية في بعض المناطق إلى أن تعود مؤسسات الدولة إلى مسؤوليتها النظامية. "لكن يجب التنبه والحذر من تعدّد هذه الظواهر الحمائية لئلا تتحول إلى تناحر داخلي وصدامات تؤدي إلى ضرب الإستقرار الإجتماعي وفي غياب الدولة تقع المسؤولية على عاتق الأحزاب الفاعلة لكي تُمسك بيدها مسألة التنظيم الحمائي والإجتماعي في المناطق التي تشرف عليها".

إزاء هذه المشهدية غير الحيوية، يبدو أن العلاج الشافي لكل هذه النتائج السلبية لفلتان السلاح تحت راية ما يعرف بالمقاومة هو "بإعادة استنهاض الدولة كي تقوم بدورها وتمنع بحالات فراغ تستغلها أطراف أو جهات لتشكيل ظواهر غير سليمة وغير شرعية بحجة الحماية . والخطوة الأولى لاستنهاض المؤسسات تبدأ من موقع رئاسة الجمهورية"ويبدو ان هناك من يستغل غياب هذه المؤسسات وتحديدا رأس الدولة كي يتمادى في اختراع حالات غير سليمة على سبيل المقارنة مع ما يفعله الحزب مع مناطقه" يختم الزغبي.