كتب أنطون الفتى في وكالة "أخبار اليوم":

بين معلومات مُتناقِضَة عن أبحرت، ولم تُبحِر، وستُبحِر، انتقلت أزمة استقدام النّفط الإيراني الى لبنان خلال ساعات، من السياسة والأمن والاستراتيجيا، الى النّظر لصورة مصداقيّة منظومة "المُمانَعَة" اللبنانية - الإقليمية، تجاه شعبها وبيئتها.

وعود

فبمعزل عن المواقف الإيرانية الرسمية، والتي من أبرزها تهديد مستشار "مرشد الجمهورية" (علي خامنئي) للشؤون الدولية علي ولايتي، بالتعامل مع أي تحرّك إسرائيلي ضدّ سفينة الوقود الإيراني المتّجهة إلى لبنان بطريقة غير مسبوقة، في اليوم نفسه الذي أعلن فيه موقع "تانكر تراكرز" المتخصّص في تعقُّب السُّفُن، أنها لم تغادر إيران، وأنها قد تُغادرها يوم غد، (بمعزل عن كلّ ذلك) لا يُمكن تجاهُل أن الإعلان عن إقلاع السفينة الأولى حصل خلال مناسبة دينية شيعية، ومن جانب منظومة دينية - سياسية - عسكرية لبنانية شيعية، تابعة لإيران، وهي لطالما جاهرت بـ "وعودها الصّادقة" (من وُجهَة نظرها)، وبأنها لا تقدّم ما لا يُمكنه أن يكون صحيحاً، ولو بنسبة 1 في المئة (من وُجهة نظرها أيضاً).

واضحة

رأى الخبير الاستراتيجي الدكتور سامي نادر أن "ما يحصل على هذا الصّعيد يعبّر عن صراع قائم. فالخطوة الإيرانية واضحة، وهي تمتحن الإرادة الأميركية، وتُجبر واشنطن على تحديد مواقفها، على ضوء الإنسحاب من أفغانستان، بموازاة مفاوضات نووية مُعلَّقَة في فيينا".

ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "شيئاً أساسياً دخل على الخطّ، منذ ما قبل إعلان السفيرة الأميركية دوروثي شيا عن استعداد بلادها لمدّ لبنان بالغاز من مصر، وبالكهرباء من الأردن، الأسبوع الفائت، وهو أن الإدارة الأميركية غيّرت موقفها المتعلّق بقانون "قيصر"، جزئياً ولصالح لبنان، منذ وقت سابق".

كهرباء وغاز

وأوضح نادر:"ما تحدّثت عنه شيا في هذا الإطار، هو مشروع كان يُعمَل عليه منذ ما قبل الحديث عن النّفط الإيراني. ولكنّه كان يصطدم بعقوبات "قيصر"، وبواقع أن شبكة البنى التحتية، وشبكات الأنابيب السورية، مضروبة في بعض الأماكن، بسبب الحرب، وهي لم تَعُد صالحة لاستعمالها في جرّ الغاز والكهرباء الى لبنان، كما كان يحصل قبل الحرب. لذلك، لا بدّ من إعادة ترميمها، تمهيداً لتزويد لبنان بالغاز والكهرباء عبر سوريا. ومن هذا المُنطَلَق، تعمل واشنطن منذ وقت سابق على ملفَّي "قيصر"، وتأمين الأموال لإعادة تأهيل شبكة البنى التحتية، وشبكة الأنابيب السورية، بالتعاون مع "البنك الدولي".

اختبار

وقال نادر:"ضمن السياق هذا نفسه، رأى الإيرانيون أن الولايات المتحدة مستعدّة لرفع جزئي للعقوبات عن النظام السوري، وهو ما يُمكن الدّخول على خطّه إيرانياً للحصول على رفع جزئي للعقوبات عن طهران أيضاً، في سوريا ولبنان. وفي هذا الإطار، أتت مبادرة إرسال النفط الإيراني الى لبنان، بغطاء إنساني. وهنا أيضاً، نجد علاقة قائمة بين الحركة النّفطية الإيرانية تلك، وبين حرب السّفن الدائرة في بحار المنطقة، بين إسرائيل وإيران، منذ مدّة طويلة نسبياً. وبالتالي، ترتبط المصداقية الإيرانية بإقلاع ناقلة النّفط الإيرانية من مياه إيران، وليس بوصولها الى لبنان، لأن ذلك مسألة أخرى. وهذا اختبار آخر على صعيد من سيعترض طريقها، هل هي الولايات المتحدة التي تفرض العقوبات على إيران، أو إسرائيل؟".

خاسرة

وعن وضع مصداقيّة الحيّز الإيديولوجي من النّظام الإيراني على المحكّ، أمام جماهيره في المنطقة عموماً، توسّع نادر:"الثورة الخمينية ليست دينية فقط، في أساسها، بل هي ذات أبعاد ثلاثة:

*دينية، تحكم بإسم الدين

*طبقية، أي ثورة فقراء ضدّ الشاه والأثرياء

*سياسية - حضارية، من باب أن الإيرانيين هم وَرَثَة الحضارة الفارسية.

وتابع:"تصدير "الثورة الإسلامية" يلعب على الوتر الديني الإسلامي، ولكن "إيران الثورة" هي وريثة حضارة فارسية في الأساس، ترغب بالتمدُّد الإقليمي. ومن هنا، حافظت ("إيران الثورة") على الطموحات النووية التي كانت بدأت مع الشاه. فعلماء إيران اليوم كانوا طلاباً في الماضي، أرسلهم الشاه للدّراسة والتخصُّص في الولايات المتحدة الأميركية".

وختم:"إيران الثّورة" أظهرت ما يكفي من "البراغماتية" منذ عقود. فهي تتفاوض مع الأميركيين من أجل حاجاتها. ونتذكّر جيّداً كيف أن الخميني تجرّع كأس السمّ، عندما أنهى الحرب مع العراق، بعدما كانت وُصِفَت إيرانياً بـ "الحرب المقدّسة"، ورغم خروج "إيران الثّورة" منها، خاسرة".