من كواليس الجامعة العربيّة إلى الحملة على الخارجيّة اللبنانيّة

في موازاة "طوفان غزّة" الى ما تقوم به إسرائيل من اعتماد سياسة الأرض المحروقة، وصولاً الى الجنوب حيث "التنقيرات" مستمرة بين "حزب الله" وإسرائيل عبر صاروخ من هنا وآخر من هناك، بمعنى أن قواعد اللعبة مضبوطة بشكل لم يتخطّ بعد ما يمكن أن ينزلق بالوضع حدوداً الى حرب، اشتعلت الديبلوماسية الدولية والعربية بدورها وتحديداً على مثلث المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، لما لهذه الدول من دور وحضور وقدرة على الوصول الى هدنة وربما لاحقاً الى تسوية على إيقاع الموقف الدولي المتناغم على الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.

في السياق، كان اجتماع وزراء الخارجية العرب أمراً طبيعياً عربياً وبحجم الحرب الملتهبة في غزّة، ولكن دائماً لبنان "في كل عرس الو قرص" . ومن هذا المنطلق تعرّض وزير الخارجية عبد الله بو حبيب لحملة انتقاد ممانعة على خلفية ما حصل قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب، ما ترك تساؤلات عن الأهداف الكامنة خلف الحملة ولا سيما أن بو حبيب ليس بعيداً عن الفريق الممانع أو لا يخاصمه باعتبار أنه يمثل فريقاً سياسياً في الحكومة وقد كان من حصة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وموقفه يُدين إسرائيل بقوة.

وبعد صعوبات هاتفية تمكنت "النهار" من مكالمة الوزير بو حبيب من طريق الفندق في القاهرة وصولاً الى مطارها، فبدا مستاءً من الحملة عليه وما تضمّنه الكلام عن "فضيحة" وصفها بأنها "مختلقة لا أساس لها من الصحة على الإطلاق لأن وزير الخارجية" كما يقول بو حبيب "مش فاتح عاحسابو" وهو يمثل القرار السياسي للحكومة، ومن الطبيعي لرئيس الجمهورية، لكن هناك شغور رئاسي، ولم يرغب في الغوص أو الرد على تناوله "مما فيه الكثير من قفز فوق الحقائق ولا يحمل أي صدقية" ربطاً بالدور اللبناني الوطني والعربي الذي قام به في الجامعة العربية وفي اللقاءات التي عقدها مع أكثر من مسؤول عربي.

ويضيف رداً على ما جرى في كواليس الجامعة العربية، أنه "عقد أكثر من لقاء ثنائي تناول ما يجري في غزّة والجنوب اللبناني، ولمس بوضوح تام أن هناك توجهاً عربياً وإصراراً على ضبط الوضع في لبنان وعدم إعطاء إسرائيل أي ذريعة لقيامها بعدوان واسع النطاق على هذا البلد، وهذه المسألة تمّ تناولها في كل اللقاءات الجانبية وعلى صعيد الموقف العربي الجامع الذي دان الغطرسة الإسرائيلية والمجازر التي يرتكبها العدو الإسرائيلي تجاه المدنيين العُزّل ولبنان، وموقفنا في هذا الإطار لا يحتاج الى شهادة من أحد"، لافتاً إلى أنه استشف من خلال المداولات واللقاءات "أن حرب غزّة طويلة وقاسية وصعبة والأمور في غاية الخطورة، والبيان الصادر عن الجامعة العربية كان معبّراً حيال كل ما يحصل اليوم إن في غزّة أو جنوب لبنان والمنطقة".

ومجدداً، يتابع وزير الخارجية اللبناني ربطاً بالاتهامات التي طاولته، "لا أرغب في مساجلات وقد أصدرنا بياناً شاملاً، وصوّب كل ما جرى ويجري بشكل دقيق ونكتفي بهذا القدر، فالمرحلة معقدة ولا يجوز أن نغرق في المتاهات والتخوين واختلاق وفبركة الأخبار التي لا تمت للحقيقة بصلة".

وأخيراً، حول لقائه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وماذا عنه؟ يقول بو حبيب "لقد اتفقنا على موعد حُدّد لي في دمشق لبحث مسألة موضوع النازحين، فضلاً عن قضايا تتناول الأوضاع الراهنة والعلاقة بين البلدين وذلك عبر وفد رسمي".

وعوداً على بدء، يبقى السؤال: ماذا جرى في كواليس الجامعة العربية قبل مؤتمر وزراء الخارجية العرب وخلاله؟ هنا وعبر مصادر "النهار" من مواكبين ومتابعين، الإجماع العربي كان واضحاً، وخطورة الوضع لا تحتمل أنصاف الحلول والخلافات ومراعاة البعض، بل كان هناك حزم تجلّى بالبيان الختامي، والأهم أن ما تمّ التوافق عليه يتولاه بعض القادة العرب من خلال اتصالاتهم مع المعنيين في عواصم القرار وتحديداً من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالتزامن والموقف عينه مع إيران وتركيا، فولي العهد السعودي اتصل بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ولقراءة السرعة في إيفاد وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان الى لبنان، ما يدل على أن هناك عنواناً واحداً ميدانياً أي وقف الحرب، الى المُعطى السياسي قيام الدولتين والسلام العادل، ما تطرق إليه بن سلمان في الأيام الماضية بشكل واسع النطاق، أي إن كواليس الجامعة العربية أماطت اللثام هذه المرة عن تحضيرات للتسوية وأن يكون ما يجري اليوم ربما آخر الحروب وليقرأ الجميع قواعد اللعبة والإمساك بها ما يدل على أن المرحلة المقبلة هي إعادة هيكلة المنطقة سياسياً وما يحصل في غزة وديبلوماسياً الى ما قبل وبعد بيان الجامعة العربية يصبّ في هذا المنحى.v