من لقمان سليم إلى سلمان رشدي... بأي حق يَقتلون نفساً خلقها الله؟

منذ مساء الجمعة، انشغل الرأي العام العالمي بقضية طعن الكاتب البريطاني، من أصول هندية، سلمان رشدي، في الولايات المتحدة، أثناء نشاط ثقافي في نيويورك، واستذكر العالم فتوى "هدر الدم" التي أطلقها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السابق، روح الله الخميني، في العام 1989، على إثر رواية "أيات شيطانية" للكاتب المذكور، والتي تمّت ترجمتها إلى العديد من اللغات، ومُنعت في عدد من الدول.

 

والصدمة كانت مع معرفة منفّذ العملية، وهو هادي مطر، أميركي من أصول لبنانية، سبق أن نشر على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للخميني ورموز النظام الإيراني، ما عزّز من ترجيحات أن تكون محاولة القتل مرتبطة بالفتوى التي أطلقها الخميني، علماً أن الكاتب كان قد تلقى تهديدات بالجملة بعد إصدار الفتوى، وخصّصت الحكومة البريطانية حمايةً أمنية له في وقت سابق.

 

بعد 33 عاماً، من الفتوى، نفّذ هادي العملية، وطعن الكاتب طعنات عدّة عند رقبته وبطنه، ما أدى إلى إصابته بجروح بالغة أدخلته المستشفى تحت العناية المشدّدة، بين حياة سيعيشها بجسد متضرر بشكل كبير وفق ما ذكرت تقارير صحافية أشارت إلى قطع عصب العين واليد وتلف الكبد جرّاء الطعنات.

 

أما جريمة الكاتب، فكانت رواية، حملت عنوان "آيات شيطانية"، اعتبر فيها المسلمون إهانة لدين الإسلام والنبي مُحمد. لسنا في صدد تقييم الرواية أو اعتبارات المسلمين وهذا حقهم انطلاقاً من حرية الرأي والتعبير، إلّا أن من الضروري التوقّف عند فظاعة الجريمة التي كانت – أغلب الظن -  بدوافع فتوى الخميني. كانت جريمة رشدي اختلافاً بالرأي ووجهة النظر للدين، وها هو يقبع على إثر الرواية في المستشفى، يلفظ أنفاساً ثقيلة، وكأن الدين يقول: "اقتلوا نفساً لا تؤمن بي"!

 

وليس الحدث موضعياً ومرتبطاً برشدي فحسب، بل إنا جميعنا مهدّدون بالمصير نفسه، القتل عند اختلاف الرأي أو المعتقد. عاشت الفتوى 33 عاماً، وحكم هادي بالموت على نفس خلقها الله، وكأن هادي والخميني منفذا أحكام الرب على الأرض، يقتلان ويحييان، انطلاقاً من المعتقد وتفسير البشرية للدين والقرآن، ومن قال إن الرب بحاجة لهادي كي يُهدي الناس – من خلال الترهيب والقتل ــ ويُرشدهم إلى الصراط المستقيم؟

 

وليست الحادثة الأولى من نوعها. ففي الماضي القريب، وفي شق مخالفة الرأي السياسي لا الديني، حُكم على لقمان سليم وهشام الهاشمي بالموت أيضاً، وكان السبب ثقافياً، الاختلاف بالرأي وحرية ممارسة الحياة السياسية. الاختلاف ممنوع، وكذلك الأمر لجهة هاشم السلمان الذي تظاهر بوجه السفارة الإيرانية يوماً ما، ونويد أفكاري، المصارع الإيراني الذي أعدمته السلطات في طهران لمشاركته في تظاهرات احتجاجية.

 

التهديد، الترهيب، تركيب الملفات وتلفيق تهم العمالة، الاعتداء والقتل، ممارسات قد يواجهها كل من يعارض، وقد يكون الصحافيان ديما صادق وحسن شعبان مثلَين حيّيْن على فصول التعدي على حرية الرأي والتعبير، وها هما يواجهان التهديدات التي وصلت إلى حد القتل بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، "والحبل على الجرار".

 

من هاشم، مروراً بنويد ولقمان، وصولاً إلى سلمان، واللائحة تطول. لن يكون الكاتب البريطاني خاتمها، وقد يكون اللاحق بالقافلة كل من يُعارض سياسات هذا المحور أو غيره من الأنظمة المتشددة والتيارات التي اختارت العنف سبيلاً لمواجهة معارضيها، لكن الجريمة الكبرى في السكوت على هذه الجرائم وطي صفحاتها، فيبقى كاتم الصوت يفتك في كل نفس خلقها الله، اختارت معارضة هذا النظام.

 

فتاوى إهدار الدم بسبب المعتقد لا تنحصر بالنظام الإيراني بطبيعة الحال، بل تغور في تاريخ مديد من الظلامية، ويضيء آخر فصولها على ضرورة المواجهة الفكرية التنويرية لظاهرة تحليل القتل وجعله مقبولاً لدى عموم المؤمنين، المعركة تنسحب أيضاً في مواجهة كواتم الصوت.