من " يدعم الشعب اللبناني"... لا يدعم سلاح الحزب

تقول "الجمهوريّة الإسلاميّة" الشيء وعكسه في ما يخص لبنان. قبيل وصول علي لاريجاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني لبيروت، كان المسؤولون الإيرانيون، بمن فيهم لاريجاني يرفضون موقف الحكومة اللبنانية من سلاح "حزب الله". ذهب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى حدّ تأكيد أن الحكومة اللبنانيّة "ستفشل" في نزع سلاح الحزب.

مع التمهيد لزيارة المسؤول الإيراني للبنان، تغيّرت قليلا لهجة لاريجاني وغيره، إذ بات كلام المسؤولين الإيرانيين عن "دعم إيران للشعب اللبناني" وليس للحزب فقط.
يبدو أن هذا التغيير في اللهجة كان بين الشروط التي وضعها الجانب اللبناني من أجل تحديد موعدين للاريجاني مع رئيس الجمهورية جوزف عون ومع رئيس مجلس الوزراء نواف سلام الذي أصرّ في جلسة مجلس الوزراء على تحديد تاريخ للإنتهاء من سلاح الحزب لا يتجاوز نهاية السنة. لم يعترض رئيس الجمهورية على ذلك بما يشير إلى وجود خيار واحد وحيد أمام السلطة اللبنانية. هذا الخيار يتمثل في اتخاذ موقف واضح من السلاح غير الشرعي الذي يتمسك به حزب لبناني، لبناني بالإسم فقط.

بين الحملة الشرسة على الحكومة اللبنانية و "دعم الشعب اللبناني"، يوجد فارق كبير. من يدعم بقاء سلاح "حزب الله"، إنّما يقف ضد الشعب اللبناني، خصوصا إذا أخذنا في الإعتبار ما فعله سلاح "حزب الله"، وهو سلاح إيراني، بلبنان وما تسبّب به من كوارث على البلد ومواطنيه، بمن في ذلك الشيعة.

لم تكن من مهمّة لسلاح "حزب الله" في يوم من الأيام غير تحويل لبنان إلى دولة، أو شبه دولة، تدور في الفلك الإيراني. لم يستطع لاريجاني التمسكّ طويلا بموقفه المعقول من الأحداث اللبنانية مركزا على الشعب اللبناني وليس على "حزب الله". كان المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ليعيد التذكير بإعتراض إيران على تحديد تاريخ لنزع سلاح الحزب، أي نزع سلاح تابع لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" منتشر في الأراضي اللبنانيّة. نصح اللبنانيين بـ"المحافظة على المقاومة" متجاهلا أنّ السبب الأساسي حال البؤس التي يعاني منها لبنان هو هذه "المقاومة" التي أخذت على عاتقها إفقار جنوب لبنان، بل لبنان كلّه، وتحويله مجرّد "ساحة" لتبادل الرسائل بين إيران وإسرائيل في مرحلة معيّنة وقبل ذلك بين النظام العلوي، أيام حافظ الأسد وبشّار الأسد  في سوريا وإسرائيل.

يوجد في لبنان واقع يسعى المسؤولون الإيرانيون، بينهم لاريجاني، إلى تجاهله. لا حاجة إلى الذهاب إلى الماضي القريب بغية فتح ملفات "المقاومة" التي لم تكن في يوم من الأيام سوى أداة إيرانيّة تنفّذ رغبات "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي استغلت أفضل إستغلال الحرب الأميركية على العراق في العام 2003 من أجل إعطاء دفع لمشروعها التوسّعي في المنطقة.
ما التفسير المنطقي لإغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وسلسلة الإغتيالات الأخرى التي شهدها لبنان، وصولا إلى إغتيال لقمان سليم، لولا الإصرار الإيراني على الإمساك بالبلد وإخضاعه عن طريق قطع الطريق على أي مشروع يستهدف عودة الحياة إلى البلد وبيروت بالذات؟ من يتذكر في هذا السياق الإعتصام الذي نفّذه "حزب الله" في وسط بيروت؟ من ينسى 7 أيار /مايو 2008؟

لا حاجة أيضا لا إلى التذكير بحرب صيف 2006، التي سبقت اجتياح الحزب لبيروت والجبل. كشفت تلك الحرب، بالنتائج التي أدت إليها، حجم التواطؤ بين إيران وإسرائيل وأن هدف الجانبين التوصل إلى تفاهمات بينهما توجت بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهوريّة في 2016 ثم بالإتفاق بين لبنان وإسرائيل، قبيل نهاية ولاية ميشال عون وصهره جبران باسيل، على ترسيم الحدود البحرية بينهما، بما يخدم مصالح الدولة العبريّة...
تعمل إيران لمصلحة إيران. يعرف الطفل اللبناني ذلك. يعرف الطفل اللبناني أنّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" لم تعمل سوى من أجل تدمير لبنان وتهجير أبناء الشعب اللبناني. ليس لدى "الجمهوريّة الإسلاميّة" حلفاء في لبنان. لديها فقط أدوات تستخدمها بهدف عقد صفقة مع "الشيطان الأكبر" الأميركي تكرس الدور الإقليمي المهيمن لإيران.
جاء لاريجاني إلى بيروت وتوقف قبل ذلك في بغداد لتوقيع إتفاق أمني بين إيران والعراق، بغية السعي إلى لملمة ما بقي من المشروع التوسعي الإيراني. لا هدف لدى لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" في الوقت الحاضر سوى اثبات أنّها ما زالت تمتلك أوراقاً في المنطقة، بينها لبنان. من أجل تأكيد ذلك، يستطيع على لاريجاني الإستعانة بلغة خشبية عفا عنها الزمن تمجّد "المقاومة" وتتجاهل في الوقت ذاته كلّ المصائب التي تسببت بها، بما في ذلك "حرب إسناد غزّة". تسببت تلك الحرب، بين ما تسببت به، بتدمير قرى لبنانية معظمها شيعية وتهجير أهلها. أعادت "حرب إسناد غزّة" الاحتلال الإسرائيلي الذي بات إحتفاظ "حزب الله" بسلاحه، خير ضمانة لإستمراره إلى ما لا نهاية...
لدى لاريجاني الكثير من الكلام الكبير الفارغ من أي مضمون، لديه "نصائح" يقدّمها إلى اللبنانيين. ما ليس لديه هو أجوبة عن أسئلة بديهية من نوع: لماذا فتح "حزب الله" جبهة جنوب لبنان؟ من يدفع ثمن الهزيمة الساحقة الماحقة التي لحقت بالحزب؟ من يعيد بناء قرى جنوب لبنان؟ من يعيد النازحين إلى قراهم؟ من يزيل الاحتلال الإسرائيلي الذي عملت إيران، بفضل أداتها اللبنانيّة، كل ما تستطيع عمله من أجل عودته؟
يبقى أن المسؤول الإيراني، الذي يفترض به معرفة المنطقة جيدا، تناسى الجرح الإيراني الأليم المتمثل في خسارة سوريا. تكمن أهمّية سوريا في أنها الممر الإجباري لإيران إلى لبنان وبالتالي إلى "حزب الله". متى يعي المسؤولون الإيرانيون هذا الواقع الجديد في المنطقة وأنّ عليهم من الآن فصاعدا خوض حروبهم، دفاعا عن النظام، داخل إيران نفسها... وليس عبر ميليشيات المذهبيّة في هذا البلد أو ذاك؟