من يشيّع من؟ "حزب الله" يودّع نصرالله وسلاحه!

في ظل استمرار اللبنانيين في النقاش حول حجم التشييع "المليوني" للأمينين العامين لـ "حزب الله" حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، الذي جرى يوم الأحد الفائت في مدينة كميل شمعون الرياضية، كانت هناك مشاهد وصور لافتة عدة، بالإضافة إلى جزء من خطاب الأمين العام الجديد لـ "الحزب"، نعيم قاسم.

الصورة الأولى التي استوقفتني كانت لنجلي حسن نصرالله، جواد ومحمد مهدي، وهما يرافقان نعش والدهما أثناء دخوله إلى ساحة التشييع، برفقة "أبو علي"، الحارس الشخصي الذي كان يُعرف بولائه المطلق لسيده. لبرهة، استرجعت صور أولاد وعائلات الشهداء الذين اغتيلوا منذ شباط 2005: من عائلة رفيق الحريري إلى سمير قصير، جورج حاوي، أنطوان غانم، محمد شطح، وسام الحسن، فرنسوا الحاج، جبران تويني، لقمان سليم، وغيرهم الكثير من الذين دفعوا حياتهم دفاعاً عن سيادة لبنان ورفضاً لمنطق السلاح والاغتيالات السياسية.

للمفارقة، دخل جواد ومحمد مهدي اليوم نادي العائلات المفجوعة، لكن الفرق الجوهري هو أن أبناء ضحايا الاغتيالات السياسية لا يملكون جهة رسمية يمكنهم اتهامها مباشرة بقتل أحبائهم، بينما جواد نصرالله، الذي شمت بمقتل صديقي لقمان سليم بتغريدته الشهيرة: "خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب"، يستطيع اليوم أن يرفع قبضته في السماء ويصرخ: "الموت لأميركا وإسرائيل" بحثاً عن ثأر خارجي، لا داخلي.

أما روني شطح، وإيلي الحاج، ومازن الحسن، ونايلة تويني، ورشا الأمير، فقاتل أحبائهم جبان، يقتل في ظلمة الليل ويهدد القضاء في وضح النهار.

أما أبو علي، الحارس الأمين الذي فقد سيده، فهو "محظوظ" لأنه شهد اللحظة الأخيرة لنصرالله واستطاع رؤية التفاف الناس حوله، على عكس أبو طارق العرب، وأندريه مراد، ونقولا الفلوطي، ومحمد بدر وغيرهم من الحراس الذين قُتلوا خلال عمليات الاغتيال مع الشخصيات التي حموها، فحُرموا من لحظة الفخر هذه، وحرمت عائلاتهم من العدالة، لأن السلاح المتفلّت والميليشيوية منعتهم من تحقيقها.

رغم الضوضاء والأهازيج الإيرانية في مراسم التشييع، لا بد من قراءة هادئة وموضوعية لخطاب نعيم قاسم، ورسائله التي وجّهها إلى قاعدة "حزب الله"، التي باتت بلا قائد فعلي.

كلام قاسم التهديدي، لن يخيف إسرائيل أو أميركا، بل على العكس، سيعطيهم ذرائع إضافية للاستمرار في سياساتهم التصعيدية الحالية، وربما تسريع عملية تفكيك "الحزب" من الداخل.

أما محلياً، فاستعراض الجماهير وحشد الغاضبين لن يغير في الواقع شيئاً، لأن النظام السياسي اللبناني لا يسمح بتحويل هذه العراضات الشعبوية إلى شرعية سياسية دائمة.

لكن الرسالة الأهم في خطابه كانت في عبارته الضمنية بأن المقاومة انتصرت، مما يعني أن السلاح بات غير ضروري للمرحلة القادمة.

بل شدد قاسم على أن "حزب الله" سيشارك في بناء الدولة اللبنانية القوية والعادلة تحت سقف اتفاق الطائف، وهو تصريح يحمل في طياته إقراراً ضمنياً بأن عهد السلاح المتفلّت شارف على نهايته.

نعيم قاسم، في خطابه "التشييعي"، وجّه رسالة غير مباشرة إلى شيعة "حزب الله"، مفادها أن عودتهم إلى منازلهم لن تتحقق إلا عندما يتخلى "الحزب" عن سلاحه وينخرط في الدولة اللبنانية كحزب سياسي لا أكثر.

قد يستطيع الشيخ نعيم زيارة قبور "الأسياد" والبكاء عليهم كما بكينا نحن على قادتنا وشهدائنا، لكن الفارق أن مشروعنا لم يُبْنَ على الدماء، بل على الأمل بلبنان خالٍ من السلاح غير الشرعي.