المصدر: وكالة الأنباء المركزية
السبت 15 أيار 2021 14:38:30
على رغم حجم الاتصالات السياسية والديبلوماسية التي انخرطت فيها معظم دول العالم وتلك التي تقودها الإدارة الاميركية، لم يتقدم بعد اي مشروع يشكل عنوانا للحل لوقف ما يجري في الداخل الاسرائيلي وغزة من عمليات عسكرية جندت لها مختلف انواع الاسلحة، بعدما تجاوزت الغلاف المحيط بغزة الى العمق الاسرائيلي الذي تحول للمرة الاولى مسرحا للمواجهات غير المسبوقة على اوسع نطاق. وهي عملية مستجدة في شكلها وتوقيتها ومظاهرها. فلم يسبق ان شهدتها اسرائيل من قبل وهي التي تجنبت بان تكون اراضيها مسرحا لأي مواجهة مع اي من خصومها والاعداء في السنوات الماضية رغم حجم وتعدد جولات العنف التي شهدتها غزة وغلافها البري والبحري.
ومرد هذه المعادلة كما كشفت مصادر ديبلوماسية متمرسة تراقب التطورات عن كثب لـ "المركزية". انها تعود اصلا الى فقدان اي صيغة اميركية يمكن ان تقود اي بحث الى التهدئة. وهي تؤكد ان الكلمة الحاسمة ما زالت ولليوم الخامس على التوالي لقادة السلاح والميدان. وهي مهمة محصورة بمن كلفوا بما يسمونه إدارة "الجبهة الداخلية" في اسرائيل من وحدات الشرطة والجيش من جهة وقادة الفصائل الفلسطينية التي توحدت في المواجهة رغم خلافاتها الغزاوية والفلسطينية الداخلية.
ولذلك، تضيف المصادر، فان الخطوات الديبلوماسية ورغم كثافتها لم تف بالغرض بعد. وقد اكد ذلك اكثر من مسؤول اميركي واوروبي واممي وعربي. وكشف مصدر في وزارة الخارجية ان المكلفين بملف التهدئة في وزارتي الخارجية والدفاع الاميركيتين تحدثوا اكثر من ثلاثين مرة مع القادة الإسرائيليين من دون التوصل الى مخرج لوقف الحرب التي فاجأت الجميع من دون سابق انذار. وان اضيفت هذه الجهود الى ما قامت به القيادة المصرية بشقيها الديبلوماسي والاستخباري على جبهتي غزة وتل ابيب بقيت عاجزة عن التوصل الى ما يمكن اعتباره بداية لحديث عن هدنة مؤقتة قبل الحديث عن صيغة لحل شامل.
ولا يتجاهل المراقبون الجهود التي بذلها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي تحدث مطولا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى ان اصطدمت مساعيه كما مساعي عدد من رؤساء وامراء دول الخليج العربي المتعاونين مع الرئاسة الفلسطينية بعدم قدرته على التعاطي بفاعلية مع المسؤولين عن المنظمات التي تدير العمليات العسكرية في القطاع. فهم لا يلبون مطالبه المباشرة رغم "التعاون الرسمي" الذي عاد الى ما كان سابقا في ظل العمليات العسكرية الاخيرة ولأسباب سياسية وانسانية لا اكثر. وان "فصائل حماس" و"الجهاد الاسلامي" ونظيراتها في القطاع لا تراعي مواقف السلطة الفلسطينية وخصوصا في المرحلة التي تلت تأجيل الانتخابات النيابية الفلسطينية وما رافق قرار عباس من رد فعل سلبي الغته العملية العسكرية مؤقتا.
وبالإضافة الى هذه الخلفيات، ردت المصادر الديبلوماسية عدم قدرة المسؤولين الاميركيين على التوصل الى بداية حل لما يجري ولجم التوتر بالسرعة المطلوبة الى جملة اسباب. وهو ما دفع الرئيس الاميركي جو بايدن الى تكليف نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية هادي عمرو بمهمة التوسط بين الطرفين. فهو ديبلوماسي اميركي من اصول لبنانية منذ ثلاثة اجيال اي لوالد جده اللبناني، وخبير في الشأنين الفلسطيني والاسرائيلي لسنوات عدة ويتولى مهمة التواصل مع الطرفين منذ ايام الرئيس باراك اوباما وتحديدا بين عامي 2013-2017 ضمن فريق وزير الخارجية آنذاك جون كيري، الذي كان مسؤولا عن ملف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية. وكان ذلك قبل ان ينضم منذ تسلم بايدن الادارة الاميركية الجديدة في نهاية كانون الثاني الماضي للعمل ضمن فريق "مكتب وزارة شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية".
وان عاد المراقبون الى تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فان اي اتفاق لوقف النار سيكون الهدف المباشر لمهمة عمرو في مرحلة اولى، على ان يليها التفاهم على الترتيبات التي يمكن التوصل اليها لتعزيز الهدوء الذي بات رهنا بالمساعي التي سيقوم بها الموفد الجديد المكلف بحض الإسرائيليين والفلسطينيين على وقف التصعيد العسكري، لا سيما على جانبي الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل.قبل الولوج الى المرحلة السياسية التي فرضتها التطورات الجديدة بما حملته من مفاجآت ومعطيات لا يمكن تجاهلها.
على هذه القاعدة، تؤكد التقارير الديبلوماسية الموثوقة ان الإدارة الاميركية لا تمتلك حتى اللحظة اي صيغة للتفاهم بين الطرفين سوى انها فرملت البحث في ما سمي "صفقة القرن" فقد طويت بالنسبة الى القيادة الاميركية الجديدة وربما العودة الى حل الدولتين دونها عقبات كبيرة في هذه المرحلة بالذات، وهو ما يعقد مهمة الموفد الجديد وربما تطول مهمته توصلا الى مثل هذه الصيغة.
وتضيف هذه التقارير لتقول ان اي من الاطراف الاخرى المتدخلة في الأزمة الاخيرة لن يكون لها اي تأثير حتى اللحظة بانتظار معرفة مصير الموفد الجديد وفريق عمله الذي يجمع خبراء في هذا الملف اعيدوا الى مواقعهم مع وصول بايدن الى البيت الابيض.
والى تلك المرحلة،فان ما يجري في غزة رهن الكثير من المفاجآت غير المحتسبة حتى اليوم والتي لا يمكن ان تؤدي الى وقف للنار، وخصوصا ان لدى الإسرائيليين هما اضافيا يتعلق بوقف ما يسمى بالحرب الاهلية الداخلية التي بدات مظاهرها في المناطق التي يتشارك فيها العرب واليهود وان ما شهدته من عمليات انتقام متبادلة شملت اكثر من 30 بلدة ومدينة لا تسوى بسهولة ان نجح المتطرفون في تنفيذ وتوسيع عمليات الابعاد للعرب عن منازلهم وهو ما يضيف هما آخر على الموفد الاميركي الجديد مواجهته بعد "واقعة غزة" مباشرة فهي من الاستحقاقات التي عليه مواجهتها ومعه الحكومة الاسرائيلية الجديدة في وقت ليس ببعيد.