المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
السبت 9 آذار 2024 13:52:12
ربما كان من الأفضل منذ بداية البحث في ملف التفرغ بالجامعة اللبنانية عدم هدر الوقت الطويل في وضع معايير علمية (ترجمت بمعادلات رياضية ووضعت على الكمبيوتر لتحديد المتعاقدين الذين يستحقون التفرغ في الوقت الحالي)، والذهاب فوراً إلى المعيار الحزبي لانتقاء المُراد تفريغهم. فقد تبين أن معايير العلوم الحديثة، شكلية، طالما أن التفرغ في نهاية المطاف سيكون على أساس حزبي قبل الطائفي.
المعايير الحزبية أولاً
ما جرى عملياً، أن رئيس الجامعة بسام بدران عمل مع وزير التربية عباس الحلبي على معايير (الحاجة والأقدمية والتوازن الطائفي) لتقليص الملف المضخم بالمتعاقدين. واستعانا بقواعد ومعادلات رياضية وبرنامج كمبيوتر، يحذف الأسماء أو يرفعها تلقائياً بحسب كل معيار. لكن تبين أن هذه المعايير لا تلبي الحاجة الحزبية للتوظيف، ولا تترجم التفرغ، كأصوات في صناديق الاقتراع، داخل وخارج الجامعة، بحسب العرف الحزبي. فاصطدمت المصالح الحزبية مع المعايير العلمية، والكباش الحالي هو على لي عنق هذا المعيار أو التلاعب بالمعادلة الرياضية للمعيار الآخر، بغية إدخال متعاقدين بعينهم.
الأحزاب والمستقلون
العقدة منذ البداية كانت "شيعية" تتمثل بتضخم ملف التفرغ شيعياً. فاصطدم الثنائي الشيعي بالمعايير، التي كان هدفها حلحلة العقد لتأمين التوازن الطائفي، لأنها منعته من المناورة في انتقاء أسماء بعينهم. فالمُراد هو تفريغ الأساتذة الحزبيين ولا سيما الذين دخلوا إلى الجامعة في السنوات الأخيرة، فيما المعايير انتقت أساتذة غير حزبيين. وبات من شأنها خلق إشكاليات حزبية، الثنائي الشيعي بالغنى عنها. وزد على ذلك أن التفرغ في الجامعة شأن حزبي، متعلق في كيفية إدارة الانتخابات والسيطرة على الفروع وتباعاً رابطة الأساتذة المتفرغين.
آخر الأفكار التي طُرحت من الثنائي الشيعي تقوم على تفريغ نحو 700 متعاقد كدفعة أولى ومثلهم أو أكثر بقليل كدفعة ثانية لاحقاً، لكن بشرط حصوله على ضمانة قانونية لتفريغ الدفعة الثانية. فالعين الحزبية، بمعنى تفريغ المحازبين، هي على الدفعة الثانية. في الدفعة الأولى التي تقوم على معيار الأقدمية، الحصة الحزبية للثنائي من المتعاقدين الشيعة لا تلبي المطالب الحزبية. وقبول الثنائي الشيعي بهذا الخيار أتى بعد عمليات احتساب تبين منها أن الحصة الحزبية مع باقي الأطراف متقاربة. وهذا أمر مطمئن طالما أنه سيصار إلى تفريغ الدفعة الثانية لاحقاً. فالمستقلون من الطائفة السنّية كثر مثلهم مثل المتعاقدين من الطوائف المسيحية. ما يعني تعادل مقبول في الدفعة الأولى.
طروحات جديدة مرفوضة
وتكشف المصادر أن الحصة الحزبية للثنائي الشيعي تتركز في الذين تعاقدوا مع الجامعة بعد العام 2017. فحصة حزب الله تتركز على سبيل المثال حصة في العلوم الاجتماعية والآداب، فيما حصة حركة أمل في العلوم والحقوق. وهناك أكثر من 60 متعاقد شيعي ينطبق عليهم معيار الأقدمية، لكنهم مستقلون أو ينتمون لأحزاب غير الثنائي. ويوجد عدد مماثل أيضاً من غير الحزبيين، ما يعني تآكل الحصة الحزبية في الدفعة الأولى للتفرغ.
ثمة طروحات أخرى تقوم على المبدأ عينه أي تقسيم الملف إلى أكثر من دفعة، لكن المؤدى واحد. بمعنى آخر، عقدة باقي الأطراف مع هذه الطروحات أن العدد الكلي للمتعاقدين الذين سيتفرغون يؤدي إلى خلل كبير في التوازن الطائفي، ويفضي إلى المثالثة بما يتعلق بالمسيحيين.
ومن العقد الكثيرة برزت عقدة تفريغ المتعاقدين الموظفين في القطاع العام. وتبين أنها حزبية بامتياز. ووفق المصادر يوجد ما لا يقل عن 150 موظفاً غالبيتهم متعاقدون في كليتي العلوم الاجتماعية والآداب. والبحث بهذا الأمر لم يتطرق إلى أن لا أعباء مالية ضخمة على الدولة من تفريغهم، قياساً بمتعاقد آخر، أو بأن تفريغهم سيشكل ضغطاً على صندوق تعاضد الجامعة، بل إن تفريغ هؤلاء يأكل من الحصة الحزبية. فالأحزاب تطمح إلى التوظيف الجديد، وأساتذة سيتفيدون منهم في مواسم الانتخابات، فيما غالبية هؤلاء الموظفين سيخرجون إلى التقاعد قريباً وطموحهم الانتقال إلى ملاك الجامعة.
الملف بموت سريري
كل المباحثات التي جرت، والجارية حالياً، تدلّ على أن المعيار الحزبي أساسي لمرور الملف إلى مجلس الوزراء. وعدم إيجاد صيغة لحل "العقدة" الشيعية، من دون خلق عقد حزبية وطائفية أخرى، يعني ألا تفرغ في الجامعة. وبمعنى أوضح، بات ملف تفرغ المتعاقدين في الجامعة اللبنانية في حالة موت سريري، ويصعب أن يمر إلى مجلس الوزراء، كما يؤكد أكثر من مصدر متابع. لكن في المقابل، لا أحد يستطيع أو يجرؤ على مصارحة المتعاقدين، كي لا ينتفضوا، في مطلع الفصل الدراسي الثاني.
ووفق المصادر، وزير التربية عباس الحلبي يجري جولة جديدة لتنقيح الملف، بعد أخذ ملاحظات جميع القوى السياسية. سيحاول تذليل العقد، وسيعود ويخرج بصيغة جديدة، يعرضها مجدداً على الأحزاب. فهل سيعمل على المعيار الحزبي ويمرر أي ملف إلى مجلس الوزراء حتى لو كان على حساب الجامعة ومستقبلها؟ أما يعيد الملف إلى رئيس الجامعة بسام بدران لإعادة تشكيل ملف أكاديمي قائم على كفاءة الأساتذة وعدد ومحتوى الأبحاث والدراسات المحكمة لانتقائهم للتفرغ في الجامعة؟ فهذا هو المعيار الأفضل والمناسب للجامعة والوحيد القادر على اسكات الأحزاب وطوائفها.