موسم القمح في لبنان مهدد

في خضم الأزمات الزراعية المتتالية التي ترهق المزارع اللبناني، تطلّ حشرة "السونا" من جديد، لتضرب موسم القمح في البقاع وسواه، مهدّدة بغرق الموسم في الخسائر، وسط جفاف حادّ، وتراجع غير مسبوق في كميات الإنتاج. وحتّى الآن، لا تزال وزارة الزراعة على موقفها القائم على المراقبة والتريّث، بانتظار "التوقيت المناسب" للتدخّل.

حشرة موسمية... وخطر متكرّر

بحسب حديث رئيس تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي لـ"نداء الوطن"، فإنّ حشرة "السونا" ليست جديدة على المشهد الزراعي، بل هي من الحشرات الموسمية التي تعاود الظهور سنوياً في مطلع شهر أيّار، وتبقى في حقول القمح حتّى يباس السنابل في منتصف حزيران.

يقول الترشيشي: "هذه الحشرة تقوم بقضم سيقان القمح وتتغذى عليها، وتُعرف بسرعة تكاثرها، ومن الصعب على المزارع مكافحتها بشكل فردي. فإذا قام أحدهم برشّ حقل معيّن، تنتقل فوراً إلى الحقل المجاور، وما إن يزول مفعول الدواء، حتى تعود إلى الحقل الأول، ولهذا السبب، فإنّ مكافحتها يجب أن تتم بشكل جماعي وسريع، كما اعتدنا في كل عام، بمساعدة الجيش ووزارة الزراعة من خلال رش المبيدات بواسطة الطوافات".

ويتابع الترشيشي محذّراً: "إنّ الموسم الحالي ليس جيداً أساساً، بل هو ضعيف نتيجة الجفاف وشحّ المياه. وإذا لم يتم التدخّل سريعاً، سنواجه كارثة حقيقية. لذلك، نأمل من وزارة الزراعة أن تبدأ فوراً بعملية المكافحة، خصوصاً وأنّ العلاج معروف والدواء متوفّر. وحسب ما علمت، فلدى وزير الزراعة برنامج قريب للبدء بالمكافحة، ونرجو أن يتمّ تنفيذه بأسرع وقت. إنّ موسم القمح هذا العام لم يسلم من النكبات، لا سيّما أنّ معظم مناطق البقاع لم تحصل على كميات كافية من المياه، والإنتاج لن يتخطّى 30 إلى 35 % من حاجة لبنان السنوية".

وزير الزراعة: نرصد... ولكن لم يحن وقت الرشّ

في المقابل، يوضح وزير الزراعة نزار هاني، في اتصال مع "نداء الوطن"، أنّ الوزارة تتابع بدقّة تحركات الحشرة في كل المناطق، لا سيّما البقاع. ويقول: "حتى اللحظة، لا يوجد داعٍ للتدخّل. التدخّل لا يكون فور ظهور الحشرة، لأن العلاج هو كيميائي ويُستخدم فقط في الحالات القصوى. نحن بانتظار المعايير العلمية التي تُحدّد توقيت الرشّ".

ويكشف الوزير أنّ درجات الحرارة المرتفعة تسرّع من تكاثر الحشرة، مشيراً إلى أنّ الوزارة تستعدّ لتسلّم أوّل دفعة من المبيدات في مطلع هذا الأسبوع، وأنّ الجيش اللبناني على أهبّة الاستعداد للمشاركة في عملية الرشّ الجوي عند الحاجة.

 وشدّد الوزير هاني على أنّ فرق الوزارة متواجدة ميدانياً، وأنّ تقارير يومية تَرِد إليه من مختلف المناطق مضيفاً: "نحن لا نتجاهل نداءات المزارعين، وهم على تواصل دائم مع المعنيّين، ولكن نكرّر: التدخّل سيتمّ حين تتطلّبه الحاجة فعلياً".

موسم القمح بين الكارثة والفرصة

من الواضح أنّ موسم القمح لهذا العام يعيش تحت وطأة التهديد، لا من حشرة "السونا" فحسب، بل من ظروف مناخية وزراعية متفاقمة، ومن سياسة زراعية متأرجحة بين الرصد والمبادرة. وفي وقت يصرخ فيه المزارع مستنجداً بحماية موسمه، تبدو الوزارة مقتنعة بجدوى الانتظار والرقابة، وسط حسابات دقيقة تتعلّق باستخدام العلاج الكيميائي.