المصدر: المدن
الكاتب: زينب زعيتر
الثلاثاء 18 تشرين الثاني 2025 11:24:49
لا يخفي السفير المصري في لبنان علاء موسى تخوفه من أن يضع التصعيد الإسرائيلي البلاد أمام احتمالات خطيرة. يعترف بأنه رغم كل الجهود المبذولة للوساطة، إلا أنّ الطريق نحو تهدئة الوضع طويل ومعقد. وهو ما يبرز دور القاهرة التي تسعى إلى خفض التصعيد في لبنان وتفادي أي تصاعد قد يؤدي إلى مواجهات عسكرية واسعة. ولكن رغم التعقيدات، يتحدث موسى عن إشارات إيجابية تستحق التوقف عندها، حيث تعمل القاهرة على تحديد نقاط مشتركة، مستفيدة من التجربة المصرية في غزة، مع استخدام أدوات الضغط الدولي، لا سيما عبر الولايات المتحدة ودول صديقة للبنان، لضمان تجاوب إسرائيل مع هذه الجهود. موسى وفي حوار مع "المدن" يتحدث عن مسار المبادرة المصرية وأين أصبحت، وهل تحظى بغطاء أميركي، وما هي ردود فعل حزب الله تجاهها، وما إذا كان هناك تواصل قائم بين الحزب والجانب المصري، كاشفاً عن أن زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى بيروت، ستكون مرتبطة بنتائج هذه الجهود وردود الأطراف المعنية.
ينطلق موسى في مقاربته أولاً، من مفهوم تصحيحي للدور المصري المتداول. يقول "نحن لا نملك في الحقيقة شيئاً يُسمى المبادرة المصرية من أجل حل الأزمة اللبنانية، بل هناك جهود نقوم بها". وهذه الجهود تقوم على مسارين "سياسي وأمني"، بحيث تستمع مصر إلى آراء وتقييم الشركاء، "ونطرح هذه الأفكار على الدولة اللبنانية، الشريك الأساسي والمعني بالمفاوضات". وهنا يأتي دور مصر، يتابع موسى: "نعمل على إيجاد بعض المشتركات والنقاط التي يمكن بناء خطوط عليها في مسار الأفكار المطروحة، وهذا سيكون الخطوة الأولى في مسار تهدئة الوضع في لبنان، وضمان عدم فتح جبهات جديدة".
يستطرد موسى هنا بالتأكيد على أن التصعيد الإسرائيلي أخيراً بدأ يأخذ منحى مختلفاً "نوعياً من حيث شكل الاستهدافات، وأيضاً من حيث المجال الجغرافي، إضافة إلى تكرار الاعتداءات بشكل واضح"، ويقول: "إذا استمررنا في هذه الوتيرة، فاحتمالات تطور الأمور إلى الأسوأ، ستكون أكبر". لذلك "نبحث في مصر عن المشتركات التي يمكن أن يقبل بها الطرفين، لبنان وإسرائيل". فأين أصبحت المبادرة، يجيب موسى: "نحن حالياً لا زلنا نستمع إلى كل الأطراف، ونتشارك الآراء مع الدول الأصدقاء الذين يملكون حقيقية دور فاعل في المنطقة، ويتعاملون مع لبنان من منطلق الحفاظ على أمنه".
هل هناك غطاء أميركي لهذه الجهود؟
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت الجهود المصرية، تحظى بغطاء أميركي، ينطلق موسى أولاً من التأكيد على أن "ما حدث في غزة يجب أن يخلق حالة وزخم ينسحبان على قضايا أخرى ومن ضمنها الملف اللبناني"، لافتاً إلى الضغوط الدولية التي أدت إلى التوصل لاتفاق غزة، وهو النموذج الذي تسعى مصر لنقله إلى لبنان. ويتابع: "إذا كان هذا التحرك يهدف إلى خفض التوتر وإيقاف التصعيد الذي قد ينتج عنه أعمال عسكرية ممتدة وواسعة، ما يعني استقرار لبنان، ففي المقابل ستجد دائماً ترحيباً من كل الأطراف الخارجية، سواء كانت الولايات المتحدة الأميركية أم غيرها من الدول التي تنشط على خط الوساطة في الملف اللبناني".
تحمل مصر مبادرة التفاوض وتسعى إلى ضمان نجاحها، تحصل على ضمانات من لبنان، ولكن في المقابل تزيد إسرائيل في تعنتها وتمعن في رفع منسوب التهديد وصولاً إلى التلويح بضرب بيروت، فهل حصلت مصر بعد زيارة مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى تل أبيب على إشارات إيجابية، وهل مصر واثقة من الطرف الإسرائيلي؟ يجيب موسى أن "مصر تستخدم أدوات الضغط الدولي، وبالأخص عبر الولايات المتحدة ودول صديقة للبنان، لضمان تجاوب إسرائيل مع هذه الجهود". يقول إن "إقناع إسرائيل ليس سهلاً، لكن يجب أن تستخدم معها كل الأدوات المتاحة، وأولها الضغط الدولي، وهذا ما حدث حقيقة في غزة، وهو ما جعل إسرائيل تتجاوب مع الضغوط الأجنبية من جهة، والعربية والإسلامية من جهة أخرى". لذا فالحل بحسب موسى "يكمن في التهدئة، وأن يفي كل طرف بالتزاماته، لأن ضمان استقرار لبنان سوف ينعكس على المنطقة كلها".
ينظر موسى إلى هذه المرحلة من المبادرة على أنها "مرحلة مهمة جداً"، لافتاً إلى أننا "في مرحلة الاستماع إلى الأطراف المعنية بالشأن اللبناني، منها أصدقاء لبنان"، مفضلاً عدم طرح المزيد على الاعلام "والتعامل مع الأمور بشكل يتيح قدرًا من الكتمان والتحفظ، لأن كشف المزيد من التفاصيل، يقلل من فرص إحراز تقدم حقيقي"، مؤكداً أن الجانب المصري يعرض كافة الاتصالات على الدولة اللبنانية.
موسى يؤكد التواصل مع حزب الله
فماذا عن حزب الله، وهل حصلتم على إشارات من الحزب بخصوص هذه الجهود سواء إيجاباً أم سلباً؟ يجيب موسى: "طبعا لدينا تواصل مع الأطراف كافة، ومن بينهم حزب الله. ولكن هناك أشخاص مسؤولون في الدولة اللبنانية، هم معنيون بتسيير هذا الملف". ويتابع: "لدى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مقاربة واضحة وصريحة لهذا الملف، ونحن نتعامل معها بكثير من الإيجابية لكونها مقاربة موضوعية ومنطقية، خصوصاً أن الرئيس اللبناني لديه الجرأة والرغبة في التعامل مع أي مسألة يمكن أن تصل بلبنان إلى بر الأمان. وكذلك نتابع الشأن اللبناني مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، وكلاهما مرحب بفكرة التفاوض، وهناك تنسيق ما بين الرئاسات الثلاثة". وعليه "نحن نفضل أن يكون التعامل مع الدولة اللبنانية".
ورداً على سؤال حول ما إذا حصل الجانب المصري على إشارات إيجابية خلال اللقاءات التي حصلت مع حزب الله، يقول موسى: "الإشارات الإيجابية تأتي إذا كانت النتيجة مرضية للجميع. أمّا نحن فنتعامل مع مرجعية أساسية وهي اتفاق وقف الأعمال العدائية منذ عام، وهذا محركنا، ونسعى لضمان الالتزام من قبل الجانب الإسرائيلي، وصولاً إلى تهدئة الأوضاع بشكل كامل. ونحتاج بالتالي لمزيد من الضمانات من إسرائيل".
ربط زيارة وزير الخارجية بالتطورات
ورداً على سؤال حول استكمال الجهود المصرية بزيارة لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى لبنان، يربط موسى زيارة عبد العاطي بالتطورات. ويقول: "عندما تحصل مصر على ردود فعل الأطراف المعنية من الجهود المصرية والأفكار المطروحة وتستطلع آراءهم، حتماً سيكون هناك زيارات أخرى لمسؤولين مصريين إلى لبنان". فهل يعني هذا أن المبادرة المصرية لا تزال غير مكتملة، يجيب موسى: "المسألة ليست في أول الطريق أو في منتصفه أو نهايته. الطريق بشكل عام طويل، وهذا أمر له كثير من التعقيدات. والأمور تقاس بمدى الجهد، وهذا يؤدي بنا أقله إلى الخطوة الأولى وهي تهدئة الوضع، لأنه في حال بقي الأمر كما هو، فاحتمالات التصعيد واردة". فهل يكون الحل في لبنان عن طريق مصر؟ يجيب السفير المصري: "أتمنى أن يكون الحل عن طريق مصر وكل الشركاء في الإقليم وكل المهتمين بالشأن اللبناني، خصوصاً الدول العربية مثل قطر والسعودية. ونقول إن الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية التي ساهمت بشكل أو بآخر في إنهاء حالة الشغور الرئاسي لا زالت إلى الآن مهتمة بالشأن اللبناني، وستواجه كل الصعاب من أجل استقرار لبنان".
تخوف من معركة محلية
ورداً على سؤال "هل أنتم خائفون على لبنان من معركة داخلية أم لا؟"، يجيب موسى: "نتوقف عند مقاربة الرئيس اللبناني جوزاف عون، في بحثه عن حلول أو آليات تجنب لبنان كل ما يمكن أن يضرب سلمه الأهلي، ونحن معه وداعمون، سواء في الملف المرتبط بحصرية السلاح وبسط الدولة لسيادتها وانسحاب إسرائيل بشكل كامل من الأراضي اللبنانية ووقف الاعتداءات، أو لناحية ملف إعادة الاعمار، إضافة إلى الاستحقاقات الدستورية والتي لا بدّ أن تُقام في موعدها". لذلك يتابع موسى: "نرجو التغلب على كل الصعاب والأهم هو تجنيب لبنان عدم الاستقرار محلياً وعدم الضرر بنسيجه المجتمعي الذي هو أحد المزايا اللبنانية التي يجب أن نحافظ عليها".