المصدر: نداء الوطن
الكاتب: رماح هاشم
الخميس 17 تموز 2025 07:16:19
أعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة أمس الأربعاء تعليق الإضراب المفتوح الذي كانت قد بدأته، وذلك عقب لقاء وفد من الهيئة الإدارية للرابطة مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في قصر بعبدا. وضمّ الوفد ممثلين عن الهيئة الإدارية، والمساعدين القضائيين، وموظفي البلديات، بحضور رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر.
وخلال الاجتماع، عرض الوفد أمام الرئيس عون سلسلة من الهواجس والمشكلات التي تواجه موظفي القطاع العام في مختلف الإدارات، لا سيّما ما يتعلّق بالأوضاع الماليّة والمعيشية الصعبة، وغياب أيّ خطة إصلاحية واضحة لحماية هذا القطاع الحيوي.
في هذا الإطار، أكّد عضو الهيئة الإدارية في رابطة موظفي القطاع العام، إبراهيم نحّال، لـ "نداء الوطن"، أنّ "الرئيس عون أبدى تفهّمًا كاملاً للمطالب، ووعد بتشكيل لجنة مشتركة بشكلٍ سريع لمتابعة هذه القضايا ووضعها على المسار الصحيح".
ورقة مطلبيّة مفصّلة
ولفت نحّال إلى أنّ "الرابطة قدّمت خلال اللقاء ورقة مطلبيّة مفصّلة، شملت البنود الرئيسية التي تطالب بمتابعتها، وقد لاقت هذه الورقة تفاعلًا إيجابيًا من قبل الرئيس عون، الذي أكّد نيّته طرح المطالب على طاولة مجلس الوزراء في جلسته المقبلة، بالإضافة إلى متابعته الشخصية لها مع رئيس الحكومة من خلال اللجنة المزمع تشكيلها، وبناءً على هذا المناخ الإيجابي، أعلنت الرابطة تعليق الإضراب كبادرة حسن نيّة، على أن تبقى اجتماعات الهيئة الإدارية مفتوحة لمراقبة تنفيذ الالتزامات المقطوعة".
وأمل نحال أنْ "تكون هذه الخطوة بمثابة إنطلاقة جديّة لإعادة وضع هذا القطاع على السكة الصحيحة، وتعزيز دوره الإصلاحي، بما يضمن فاعليّته واستمراريته، وتطويره نحو إدارة عامة حديثة تواكب التحديات وتلبّي طموحات العاملين فيها".
مماطلة وتهميش
بالعودة إلى أسباب الإضراب، يؤكّد نحّال أنّه "بعد المماطلة والتهميش الذي نشهده، والتسويف في دراسة حقوقنا ومطالبنا، وبعد الاحتجاجات المتكرّرة ومنها اعتصام أمام رياض الصلح، إلى إضرابنا لمدة ثلاثة أيام، وفي ظلّ عدم تجاوب الحكومة رغم وضع الموظفين الذي يزداد صعوبة، نشعر بالانزعاج بسبب سياسة الحكومة التمييزية بين كافة الأسلاك، حيث أنها ميّزت السلك العسكري بإعطائه حقوقًا وامتيازات - رغم أنّ ذر الرماد في العيون لا يكفي ولا يؤدي إلى أي نتيجة - ولم تعطِ فيه الموظفين أي إضافة، ولم تجلس معهم لتستمع إلى مشاكلهم، هنا، بادرنا إلى إعلان الإضراب لمدة أسبوع، خصوصًا من بعد النداء الذي وجهناه بأن تحرّكاتنا ستكون تصاعدية، في حال لم تُستجب مطالبنا. أعلنا الإضراب ابتداء من يوم الإثنين الماضي، وسميناه توقفًّا عن العمل في الإدارات من دون تقديم أي خدمة للمواطنين. ولكن في ضوء التطورات الأخيرة، واللقاء مع رئيس الجمهوريّة، قمنا بتعليق الإضراب وننتظر ما ستؤول إليه الأمور".
يضيف نحّال: "قمت بعدد من الزيارات على المؤسسات والإدارات والوزارات، ولمسنا التزامًا بالإضراب وتجاوبًا من قبل الموظفين. فقط موظفو وزارة الصحة، مشكورين، أمّنوا خلال فترة أيام الإضراب بعض الخدمات التي تتعلق بصحة المواطن كالاستشفاء".
مطالب مكرّرة
يتابع: "نكرّر مطالبنا للدولة والسلطة، أننا بحاجة لضم كل الزيادات والمساعدات تحت كافة التسميات إلى صلب الراتب وتصحيح الرواتب والأجور كي تعود كما كانت قبل الأزمة الاقتصادية عام 2019، وإعداد سلسلة رتب ورواتب جديدة وفقًا لمؤشر الغلاء والتضخم، واعتماد سلمًا متحركًا للأجور. وحاليًا بعد ارتفاع أسعار المحروقات نطالب بتعديل بدل النقل الذي ما زال 450 ألف ل.ل. ولم يعد يتماشى مع غلاء البنزين، ونطالب أيضًا بدعم المستشفى الحكومي والتعليم الرسمي كالجامعة اللبنانية، ودعم القضاء اللبناني، ودعم وتفعيل الهيئات الرقابية من ديوان المحاسبة إلى مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي، وكل الأجهزة الرقابية كي تتمكن من تطوير الإدارة ومكافحة الفساد، كما نحتاج إلى ملء الشغور في الإدارات العامة بعد أن وصل إلى نسبة 75 في المئة وأكثر خاصة مع هجرة كفاءات كبيرة من الإدارة".
ظلم
ويُعرب نحّال عن شعوره بأن "ظلمًا قد لحق بموظفي الإدارة العامة، رغم كل الكفاءات التي يمتلكها هذا القطاع". ويضيف: "في الوقت الذي تُمنح فيه لرئيس وأعضاء مجالس إدارة في الهيئات الناظمة مبالغ خيالية تتراوح بين 7000 و12000 دولار، لا يتقاضى الوزير أو المدير العام سوى راتب يقدّر بحوالى 500 دولار. وهذا ظلم كبير".
ويتابع: "نطالب بدعم الإدارة ونرفض بشكل صارم، ونسطّره بخط أحمر عريض، أن خصخصة القطاع العام والتعاقد الوظيفي والرضوخ لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والدول المانحة هي أمور غير مقبولة".
ويختم: "نطالب بأن ينال المتعاقدون حقوقهم ويعاد المعاش التعاقدي إلى ما كان عليه سابقًا مئة في المئة من الراتب".
كما يوجّه نحّال "تحية إلى كل الموظفين الذين التزموا بالإضراب لأنهم أسهموا في إنجاحه إلى حدّ ما، كي تكون حقوقهم مسموعة لدى السلطة. بالطبع سنمارس ضغوطًا أكثر فأكثر بعد على السلطة كي تلتزم بمطالبنا وتحققها. كما أنّ يدنا ممدودة للمفاوضات في أي وقت لأننا في النهاية نريد الوصول إلى حل يرضي الموظفين وحقوقهم من جهة، ومن جهة أخرى هناك موارد للدولة تعرف مكان وجودها لكننا نريد أنّ ندلّها عليها، كالتهرب الجمركي والضريبي والأملاك البحرية والنهرية والضريبة التصاعدية على الأرباح، واسترداد الأموال المنهوبة والمهرّبة إلى الخارج، واسترداد الفوائد التي وضعت على سندات الخزينة، الهندسات المالية، أملاك الدولة المؤجرة بأسعار بخسة كما أنّ النظام الضريبي يحتاج إلى تعديل. هناك العديد من الموارد المالية التي تستطيع الدولة ان تؤمّن منها الأموال لتغطية رواتب الموظفين لسنين عديدة. كما أننا نحتاج إلى دعم القضاء كي يحارب الفساد بشكل جدّي وفعّال".
خطوات موجعة
و"بالنسبة للخطوات اللاحقة، في حال لم تتجاوب الدولة مع مطالبهم ولم تجلس على الطاولة معهم لمناقشة الأفكار التي سيتمّ طرحها"، يؤكّد نحّال أنهم "سيتوجّهون بالطبع نحو التصعيد أكثر فأكثر وإلى خطوات تصعيدية موجعة للسلطة وليس للمواطن، لأننا والمواطن واحد ومطالبنا مطالبه والعكس صحيح. عندما نطالب برفع الظلم عن المواطن، ذلك لأن الضرائب التي فُرِضت على المواطن في الموازنة وبطريقة التهريب، تُفرَض أيضًا علينا ونطالب بإلغائها وتعديلها لأنها غير محقة وتكلف المواطن أعباء كبيرة".
مساوئ الإضراب
الجدير ذكره، أنّ إضراب موظفي الإدارة العامة يحمل في طيّاته العديد من المساوئ التي تؤثرّ سلبًا على الدولة والمجتمع، كما تنتج عنه خسائر ماليّة كبيرة من الصعب تحديد رقم دقيق لها تلحق بخزينة الدولة. على سبيل المثال الإضرابات تؤدي إلى توقف أو تباطؤ في تقديم الخدمات الأساسيّة للمواطنين، مثل إصدار الوثائق الرسمية، معالجة المعاملات الإدارية، تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، ما ينعكس سلبًا على حياة الناس ويزيد من معاناتهم. كما أنّ الإضرابات تؤخر تنفيذ المشاريع الحكومية والتنموية، سواء في البنية التحتية أو الخدمات الاجتماعية، مما يعيق النمو الاقتصادي ويزيد من تفاقم الأزمات.
في المحصّلة، ومع استمرار تآكل رواتب الموظفين وتراجع القدرة الشرائيّة، يبرز السؤال الأساسي: إلى أين تتجّه الأمور؟ هل باتت الدولة قادرة فعلًا على الاستجابة لمطالب القطاع العام، أمْ أن تعليق الإضراب ليس إلّا هدنة موقّتة قبل العودة إلى الشارع مجدّدًا؟ وبين تسويف السلطة وصبر الموظفين، يبقى مصير المرفق العام معلّقًا على خيطٍ رفيع من الأمل… أو من الإنكار.