موفدو ترامب يرفعون سقف التحذير للبنان: استعدوا لـ"الخطة باء"

لا يعرف لبنان مع أي من المواقف الأميركية سيتعاطى. ولا يحتاج اللبنانيون إلى الكثير حتى يتوهوا في حسابات المسؤولين الأميركيين، ومع كل موفد تكثر التحليلات والتقديرات وتُنسج السيناريوهات، وآخر محطاتها دراسة خلفية كلام الموفد توم باراك الذي كان واضحاً ومباشراً في انتقاداته للدولة اللبنانية بكامل مؤسساتها، علماً أن باراك لقي اعتراضات لبنانية كثيرة سابقاً على خلفية مواقف متعددة أطلقها، حتى أن وزراء ومسؤولين لبنانيين وجهوا إليه نصائح بقراءة التاريخ والتقليل من التصريحات. ويفتح ذلك المجال أمام بازار سياسي جديد حول "مهمة باراك"، وما إذا كانت قد اقتربت من نهايتها أم العكس. ويعتبر البعض أنه أصبح قريباً من التوقف عن الاهتمام بالملف اللبناني. ولذا هو يضغط بقوة لتحقيق نتيجة، علماً أنه لم ينجح في الحصول على أي تنازل إسرائيلي لتمرير مبادرته، أو للموافقة على ورقته التي أقرت أهدافها الحكومة اللبنانية. 

 

غراهام والخطة "باء"

ولكن بعيداً من التحليلات اللبنانية أو التمنيات، يمكن اعتبار ما قاله باراك الأوضح في معانيه السياسية وما يحمله من تحذيرات. هو قال الأمور بشكلها المباشر وعلى طريقة دونالد ترامب، بعيداً من كل القواعد الديبلوماسية. وهذا الكلام نفسه كان السيناتور الأميركي ليندسي غراهام قد قاله خلال زيارته لبيروت، وفي غاية الوضوح والمباشرة. ومن على منبر قصر بعبدا يومذاك قال غراهام إن لبنان أمام خيارين: إما التحرك لسحب سلاح حزب الله سريعاً، وإما ستكون هناك خطة "باء". وهذه الخطة، بنودها معروفة، وأهمها أنه في حال عدم سحب سلاح الحزب من جانب الجيش اللبناني والدولة اللبنانية، فالحرب الإسرائيلية ستتجدد وتتصاعد وتيرتها. وهذا بند أول معروف، ستضاف إليه بنود أخرى تتصل بإهمال لبنان كلياً، وخنقه اقتصادياً ومنعه من الحصول على أي مساعدات خارجية، ما يعني فتح الباب أمام انهيار جديد، قد ينتج احتجاجات عارمة ألمح إليها باراك في تغريدته الطويلة.

 

استنساخ تجربة غزة

يعبر كلام باراك إلى حد ما عن حقيقة موقف الإدارة الأميركية، والذي يرتبط بضرورة الإسراع بحصر السلاح بيد الدولة، من دون إسقاط خيار التفاوض والوصول إلى تفاهم سياسي يقضي بذلك، إذ يراهن بعض المسؤولين الأميركيين على استنساخ تجربة غزة، والتركيز على تحقيق تفاهم حول كل النقاط العالقة، من خلال المفاوضات او عبر الوساطة الأميركية. لكن التفاهم يُفترض أن يلبي كل الطموحات والتطلعات الإسرائيلية، وهو ما لا قدرة للبنان على احتماله. 

 

الاتفاق كما تريده إسرائيل... أو الحرب

ومن بين ما يريده الإسرائيليون هو نزع سلاح حزب الله الذي يشكل تهديداً لإسرائيل بما في ذلك الصواريخ البعيدة المدى الموجودة في البقاع أو مناطق أخرى، وضبط الحدود نهائياً، وجعل الجنوب اللبناني منطقة خالية من السلاح، إضافة إلى إقامة منطقة عازلة تشملها عملية ترسيم الحدود، وانجاز اتفاق متطور عن اتفاقية الهدنة في العام 1949. بذلك يخرج نتنياهو في خطاب "انتصار" جديد يوجهه إلى سكان مستوطناته الشمالية، بأنه أصبح في إمكانهم العودة والعيش بلا أي تهديد، وأنه نجح في تحقيق سلمهم وأمنهم الدائم، من دون الحاجة إلى الدخول في حرب أو تصعيد عسكري تكون تكاليفه باهظة. أما بحال عدم الوصول إلى مثل هذا الاتفاق فخيار التصعيد سيكون قائماً، وقد بدأ الإسرائيليون يعدون عدته سياسياً، إعلامياً، وعسكرياً من خلال التدريبات الأخيرة التي يجرونها على طول الحدود مع لبنان. 

 

الدول الضعيفة... وسلام الأقوياء

يتجاوز مشروع نتنياهو مسألة تسوية الوضع الحدودي مع لبنان، هو يريد الإعلان عن انتصار على مستوى المنطقة، ليقرن قوله عن تغيير وجه المنطقة بفعله. وهذا له مرتكزان: مواصلة الحرب لفرض السلام بالقوة ووفق الرؤية التي يريدها، ومواصلة "حياته السياسية" وعدم إنهائها بانتهاء الحرب أو بالانتخابات. وقبل أيام، هو أعلن رغبته في الترشح مجدداً للانتخابات المقبلة، ويطرح نفسه مرشحاً جديداً لرئاسة الحكومة، على قاعدة أنه حقق لإسرائيل ما لم يحققه أحد من قبله. وفي مقابل الحروب التي شنها ووسعها على جبهات سبع، هو يطرح مسألة توسيع إطار اتفاقات السلام، إذ أشار بوضوح إلى السعي لإبرام اتفاقات ابراهيمية جديدة مع دول المنطقة، فيما خرج مستشار ترامب للشؤون الأفريقية مسعد بولس معلناً إمكان انضمام لبنان وسوريا إلى اتفاقات السلام هذه. وهاتان الدولتان تندرجان في مصاف "الدول الضعيفة" في نظر نتنياهو. وأما سلام الأقوياء الذي يريده فهو الاتفاق مع السعودية، بمسعى أميركي، إذ يريد هو وترامب أن يسجلا هذا الانجاز في سجليهما. وذلك سيكون في حاجة أيضاً إلى خطة (باء) على مستوى المنطقة.