المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بومنصف
الاثنين 21 تشرين الأول 2024 08:33:58
على أمل ألا يتعرض الرئيس نجيب ميقاتي في مقبل الأيام لصدمة ما من حلفائه الأقربين "انتقاماً" من انتفاضته السيادية في وجه الوصاية الإيرانية على لبنان، سيكون أمراً شديد الأهمية أن نكتشف في الساعات والأيام المقبلة أثر هذا الموقف على تعامل الموفدين والوسطاء والدول معه وما الذي سيحدثه من فروق. تحركت عجلة الديبلوماسية حيال لبنان الذي تشعل إسرائيل النيران في كل أنحائه بهياج مخيف، ولو أن زمن المفاوضات لم يحن بعد ومن المستبعد أن يحين قبل مواعيد مستحيلة التحديد من الآن.
بطبيعة الحال، تشكل عودة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت مدججاً بخلفية قمة الدول التي اجتمعت في برلين محطة اختبار لطبيعة الطروحات الجديدة التي سيقدمها على قاعدة القرار 1701 مع تعديلات، أي القرار 1701” بلاس". لا ندري ما إن كان هوكشتاين استقى هذه التسمية بإيحاء من الرئيس السابق ميشال عون الذي رفع شعاره الشهير، حين حاصره "الطائف" بالمناداة بـ"الطائف زائد ابسيلوم".
كان الزمن آنذاك، زمناً حربياً أيضاً بمزيج من حرب أهلية مسيحية وحرب سورية لبنانية وكان احتدام دموي ظلّ يتدحرج إلى أن حلت 13 تشرين. ولكن هوكشتاين ومثله الأمين العام للجامعة العربية (هل ثمة من يذكر أن ثمة عرباً مجتمعين بعد ويتذكرون لبنان) ومثلهما وبمواكبتهما وزير الخارجية الأميركي نفسه إن كان للبنان حيّز من جولته في المنطقة، يتحركون في الوقت الناري الضاري والشرس والفاصل عن موعد الانتخابات الأميركية بأقل من أسبوعين. فعلام ترانا سنراهن إلا الخشية من تصعيد فوق تصعيد ونار تواجه ناراً ودمار يقابل بدمار ودماء تسيل في كل النواحي؟
وما دام الشيء بالشيء يذكر، نتساءل مسبقاً: أي موقف لبناني سيبلغ من الآن فصاعداً إلى الموفدين والمبعوثين والدول، هل هو موقف الرئيس ميقاتي المنتفض على وقاحة الوصاية الإيرانية السافرة أم موقف آخر سيتسلل من خلف اللقاءات ليضع الدول أمام ذريعة قديمة جديدة تعيد دوامة التفاوض مع الوصيّ بدل الأصيل، على غرار ما كان يجري دوماً إبان الوصاية السورية بحيث لا تكون الكلمة الفصل والتسوية الحاسمة إلا مع نظام الأسد؟
بطبيعة الحال، الهول الحربي الإسرائيلي المتدحرج الآن على لبنان و"حزب الله" أولاً ومن ثم ربما نحو إيران في أي لحظة، يسقط كل المعادلات القديمة والحالية في ما يتصل بالتسويات المطروحة لفظياً وكلامياً ومبدئياً وما إلى ذلك، لأن الزمن التفاوضي سيكون بعيداً جداً. وتختلط في ذلك معادلات الحرب وما بعدها مع موعد الاستحقاق الأميركي ومن سيحمله إلى البيت الأبيض، بما يعني أن المقبل من الأيام سيكون مسرحاً للهياج الحربي الأشد عنفاً واتساعاً وتصعيداً ولو اخترقه "مشهد ديبلوماسي" لن يقدم أو يؤخر شيئاً في إحلال أسس حل ديبلوماسي. وسيكون على "لبنان الرسمي" في هذه الحال، أن يثبت أنه لبنان الرافض للحرب والوصاية، غير المنفصم وغير المزدوج الموقف وغير المستسلم لانتظار طروحات ما بعد الحرب التي ستفصَّل على قياس نتائج الحسم الحربي أو تعذر الحسم أو ما بينهما، وكل هذا سيكون على أنقاض مرعبة من دمار ودماء.
قد تكون الأيام المقبلة صدمة للكثيرين ممن يأملون اختراقات ديبلوماسية توقف جحيم الغارات والقتل المنهجي الذي توزعه آلة الموت، ولكن اللبنانيين سيرصدون ما إن كانت الكارثة تركت أثرها أولاً في مقار "الدولة" عندهم!