ميقاتي في القمة الصينية ـ السعودية: حضور عابر أم بداية تحولات؟

منذ أن ساءت العلاقة بين بيروت والرياض قبل عام، دار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول العالم ولم يحظ برمشة عين في أي مؤتمر او قمة من مسؤول سعودي على رغم ممّا أنتجته المبادرة الكويتية من ترطيب للأجواء. ولذلك فقد اكتسبت الدعوة التي تلقّاها من العاهل السعودي للمشاركة في أعمال القمة السعودية - الصينية غداً طعماً جديداً بعدما استبعد لبنان عن سابقاتها. ولذلك طرح السؤال عمّا يليها، وإن كانت ستُحدث تغييراً في شكل العلاقة ومضمونها بين البلدين؟
 
على وقع الضجيج الذي رافقَ المساعي التي قادها الثلاثي الأميركي ـ الفرنسي ـ السعودي على الساحة اللبنانية ومجموعة البرامج الانمائية والاجتماعية التي أطلقها الصندوق الفرنسي ـ السعودي المشترك وصولاً الى مجموعة اللقاءات التي أجراها السفير السعودي في بيروت وليد البخاري والاحتفال بالذكرى الثالثة والثلاثين لتوقيع «اتفاق» الطائف، جاءت الدعوة الملكية السعودية لميقاتي للمشاركة في أعمال القمة السعودية ـ الصينية لتنحو بهذا التوجّه الانساني والاجتماعي الى المنحى السياسي على اعلى المستويات في لبنان، وهو ما دفع الى قراءة متأنية للخطوة ومراميها وما يمكن ان تؤدي اليه.
 
وقبل الغوص في عدد من السيناريوهات المتوقعة لِما سيلي القمة لا بد من التذكير أن لبنان استبعد في منتصف تموز الماضي عن القمة الاميركية ـ السعودية والخليجية التي عقدت في جدة وانتهت الى ما انتهت اليه من نتائج بالغة الدقة، على رغم من دعوة المملكة قادة الدول العربية والخليجية باستثناء جارة الرياض اليمن وكل من سوريا ولبنان الذين وضعوا على لائحة المُبعدين عنها بكل المعايير الديبلوماسية والسياسية. ولذلك، لا بد من التوقف عند المؤشرات الدالة الى الخطوة السعودية المفاجئة في 30 من الشهر الماضي وقراءة ما سبقها وما يمكن ان يليها، والرسائل التي أطلقتها في أكثر من اتجاه. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
 
 
 
 
- جاءت الدعوة بعد شهر كامل بالتمام والكمال على نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون وخلو سدة الرئاسة من شاغلها وانتقال صلاحيات الرئيس غير اللصيقة بشخصه الى مجلس الوزراء مُجتمعاً. عدا عن تزامنها مع النقاش الدستوري الدائر حول شكل هذا الانتقال وطريقة إدارة المرحلة التي عبّرت الآراء والمواقف عنها بكثير من الفوضى السياسية والدستورية، عدا عن الترددات الطائفية التي اشارت اليها بعض المواقف.
 
- انّ التوقف امام مضمون الدعوة في شكلها ومضمونها يدعو الى الحديث عن متغيّرات في آلية تعاطي المملكة مع الحكومة اللبنانية، فقد كانت زيارات السفير السعودي وليد البخاري الى السرايا الحكومية نادرة جدا بخلاف ما كان يربط بينها وموقع رئيس الحكومة في السنوات الماضية قبل ان تسوء العلاقة مع الرئيس الاسبق سعد الحريري وبعض المكونات المرتبطة بالساحة السنية في لبنان.
 
 
 
- الى المفاجأة التي أحدثتها الدعوة في الأوساط السياسية والديبلوماسية، لا يمكن تجاهل تشديد الديبلوماسي السعودي في تصريحه المقتضَب عقب تسليم الدعوة على «أهمية المضي في البرنامج الإصلاحي للحكومة وخريطة الطريق التي وضعها صندوق النقد الدولي واستكمال الإصلاحات بالتعاون مع مجلس النواب». وهو ما يؤكد انّ الثوابت التي بنت عليها المملكة موقفها من اي مساعدة للبنان ما زالت مبنية على هذه الملاحظات التي تشارك في الدعوة إليها مع مختلف الدول الصديقة له، وانّ العودة الى مضمون المبادرة الكويتية وما تضمنته من تمنيات خليجية وتعهدات لبنانية قد يَفي بالغرض.
 
 
 
 
- لا يمكن تجاهل انّ الدعوة تلت في توقيتها مجموعة اللقاءات التي عقدها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع مجموعة من الراغبين بتسوية العلاقات مع لبنان، لا سيما القمة الفرنسية ـ السعودية التي جَمعته بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على هامش «قمة بانكوك» قبل أيام قليلة على الدعوة. كما بالنسبة الى نتائج الزيارات التي قامت بها المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونيكا الى الرياض في بداية الشهر الماضي واللقاءات التي عقدها مع المسؤولين الكبار في الخارجية السعودية.
 
 
 
وأمام مجموعة هذه الملاحظات والمؤشرات التي تحتاج الى بعض الوقت للتثبّت من النتائج المحتملة التي يمكن ان تَلي هذه المشاركة والوقوف على طريقة التعاطي مع الضيف اللبناني. كلها عناصر يجب التوقف عندها لاستشراف المرحلة المقبلة خصوصاً على مستوى إمكان انتقال المملكة من محطة الى اخرى في علاقاتها مع لبنان قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية والتثبّت من التزام لبنان بما تعهد به ليُبنى على الشيء مقتضاه.
 
 
 
 
والى تلك اللحظة التي لم يحن أوانها بعد، لا يمكن تجاهل ما يعيشه العالم من تحولات كبرى على خلفية النزاع القائم حول كثير من القضايا الدولية التي تعنى المملكة كما التجمعات الدولية الكبرى التي فرضت على قادتها أسلوباً جديداً في التعاطي معها، حيث كشف تحليل حديث أجرته مجلة «بلومبيرغ إيكونوميكس» قالت فيه «ان الاقتصاد العالمي يواجه واحدة من أسوأ سنواته منذ ثلاثة عقود، حيث تستمر صدمات الطاقة وكذلك التضخم المتفاقم في كل مكان علاوة على تشديد السياسات النقدية، في التأثير على الأداء». عدا عن اشارتها الى ما «تشهده منطقة اليورو في بداية عام 2023 من حالة ركود، والتي تتكرر في الولايات المتحدة لكن في نهاية العام. وعلى النقيض من ذلك، من المتوقع أن تتوسّع الصين بأكثر من 5 %، مدعومة بنهاية أسرع من المتوقع لاستراتيجية «صفر كوفيد» ودعم سوق العقارات الذي ضربته الأزمة.
 
 
 
وفي ظل هذه المعادلات الدولية، يخطئ من يعتقد انّ على طاولات هذه القمم والدول ملف اسمه «ملف لبنان»، ولكنه في الوقت عينه حاضِر كمجموعة من «الأوراق المتفرقة» في بعض ملفاته الساخنة، وهو ما يترجمه تجاهل المجتمع الدولي الاستحقاق الرئاسي حتى هذه اللحظة. وإلى ان تأتي هذه التحركات بما يأمله اللبنانيون، من الخطأ الاعتقاد انّ مشاركة ميقاتي في هذه القمة ستشكل انقلابا في المواقف كما يتوهّم البعض. وإن اعتقد آخرون أن احدا يمكنه احتكار الرعاية السعودية في لبنان فهو مخطىء لأن هناك محطات بالغة الدقة لم تعبر بعد. وان المتغيرات الدولية قد تأخذ بالبلاد الى مكان آخر إذا لم يتلقّف اللبنانيون الموضوع ويعيرونه ما يستحق من تفاهمات تقود الى انتخاب الرئيس واعادة بناء المؤسسات الدستورية لتنتظم الحياة الدستورية ولتكون البلاد جاهزة لاستقبال المتغيرات المقبلة واستيعابها بما يضمن الحد الأدنى مما يطلبه اللبنانيون من استقرار وانتعاش وتَعاف ما زال بعيد المنال.