المصدر: اساس ميديا
الاثنين 27 أيلول 2021 15:25:03
كتبت جوزفين ديب في أساس ميديا:
كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد غداء العمل الذي جمعه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي أكّد خلاله استمرار دعم لبنان والوقوف إلى جانبه، حمل رسائل عديدة إلى المسؤولين اللبنانيين، ولا سيّما تذكيره بالعقوبات الفرنسية على معرقلي تشكيل الحكومة، وصولاً إلى الكلام عن شرط تنفيذ برنامج إصلاحي في القطاعات الحيويّة، وإجراء الانتخابات النيابية. في المقابل بدا كلام ميقاتي مقتضباً شكر فرنسا من دون التطرّق إلى شكل الدعم الفرنسي.
لكن كيف كانت أجواء اللقاء فعلاً؟
مصادر المجتمعين وصفت اللقاء بأنّه "ودّي". وقال لـ"أساس" إنّ الزيارة "سياسيةً أكثر منها تقنيّة"، وأنّ "ماكرون ماضٍ في دعمه مهمّة ميقاتي الذي يدرك بدوره حجم المهمّة الصعبة الملقاة على حكومته".
لكن ماذا حمل اللقاء؟ وهل ينجح في القفز فوق ألغام الإصلاحات الحكومية؟
في معلومات "أساس" أنّ الاجتماع الذي انضمّ إليه النائب نقولا نحاس، بصفته رئيس الفريق الاقتصادي، والموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، تطرّق إلى ملفّات أساسية هي من مهمّة الحكومة المقبلة. أوّلها التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وماهيّة الإصلاحات التي على لبنان أن يباشرها لتسريع هذا المسار. وأبدى الجانب الفرنسي في اللقاء كامل استعداده لدعم مسيرة الحكومة اللبنانية، لكنّه أرفق دعمه هذا باشتراط القيام بالإصلاحات المطلوبة في كلّ المؤسسات، إن في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب، وأن تنخرط كلّ السلطات السياسية في تنفيذها.
حضرت علاقات لبنان بالدول العربية والخليجية ومصر في اللقاء، وسط حديث عن إمكانيّة أن تلعب باريس دوراً في إعادة الحرارة إلى العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية.
دفع تأكيد باريس ضرورة تنفيذ الإصلاحات بعضَ المراقبين إلى الخروج باستنتاجات تحدّثت عن اتّعاظ ماكرون من درس لبنانيّ تلقّاه على مدى عام كامل سقط خلاله الفرنسيّون في أكثر من فخّ لبنانيّ نصبه لهم أهل السلطة في لبنان.
وفي معلومات "أساس" أنّ وفداً فرنسيّاً، يتقدّمه السفير المكلّف بتنسيق المساعدات الدولية إلى لبنان بيار دوكين، يُتوقَّع أن يزور لبنان في الأيام المقبلة. زيارة دوكين هذه ليست الأولى، بل سبقتها زيارات التقى خلالها السفير الفرنسي مسؤولين لبنانيين للاطّلاع منهم على الإجراءات التي يقومون بها لتحقيق البرنامج الإصلاحي المطلوب من لبنان من أجل حصوله على المساعدات الدولية. هذه المرّة ستراقب فرنسا عن كثب الخطوات اللبنانية. فهي، بحسب المعلومات، ليست مستعدّة للدخول في حسابات خاطئة في الساحة اللبنانية كما سبق أن فعلت في العام الماضي.
فما هي الإصلاحات المطلوبة؟
قبل اجتماع قصر الصنوبر، الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بممثّلي الأحزاب السياسية العام الماضي، وزّعت السفارة الفرنسية مسوّدة للبيان الوزاري للحكومة المفترض تشكيلها يومذاك، تحت عنوان "مشروع برنامج للحكومة الجديدة". وقد تضمّنت الورقة أربعة عناوين:
الأوّل يتعلّق بمكافحة فيروس كورونا.
الثاني يتّصل بإعادة إعمار بيروت.
الثالث يرتبط بالإصلاحات المطلوبة من الحكومة في قطاع الكهرباء، وضبط المعابر الشرعية ومراقبتها كالمطار، ووقف التهريب عبرها، وإغلاق المعابر غير الشرعية، فضلاً عن مكافحة الفساد داخل المؤسسات العامّة.
أمّا الرابع ففيه دعوةٌ إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة في مهلة سنة حدّاً أقصى وفق قانون انتخابي جديد يأخذ في الاعتبار ضمّ المجتمع المدني بشكل كامل، وهو ما سيسمح للبرلمان بأن يكون أكثر تمثيلاً لتطلّعات المجتمع المدني.
لعلّ ما يعنينا اليوم من هذه العناوين هو العنوان الثالث بما يتضمّنه من إشكاليّات مطروحة، أبرزها ما يتعلّق بقطاع الكهرباء، مثل تعيين المسؤولين في الهيئة الناظمة للقطاع ورفع التعرفة الرسمية تدريجياً. إضافةً إلى الرقابة المنظّمة لتحويل الرساميل، وإنجاز مشروع قانون يتناول "الكابيتال كونترول" واعتماده، على أن يحظى بموافقة مختلف أقسام صندوق النقد الدولي.
هذه عيّنة من الإصلاحات الماليّة التقنيّة مع ما تحمله من إشكاليّات ذات خلفيّات سياسية لبنانية يجب على الحكومة أن تواجهها في أثناء تنفيذ برنامجها الإصلاحي. غير أنّ هذه الملفّات ليست الوحيدة المتفجّرة في الحكومة، بل ثمّة ملفّات سياسية أخرى، منها ملفّ ترسيم الحدود، وملفّ التحقيق في تفجير مرفأ بيروت.
شاقّةٌ هي درب الإصلاحات التي من دونها لن يكون أيّ مؤتمر دعم دولي للبنان. أمّا غياب الكلام عن عودة مؤتمر "سيدر" حتى الساعة فيعود إلى أنّ لبنان أصبح في مكان ثانٍ، والدول المانحة أصبحت أيضاً في مكان ثالث. فلكلٍّ من الصندوق الدولي وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا والسويد والكويت والمملكة العربية السعودية وقطر، وهي الدول التي أعربت عن استعدادها للمشاركة في إقراض لبنان الأموال ضمن برنامج عمل مؤتمر "سيدر"، شروطه المختلفة، سياسية كانت أم اقتصادية.
هو حقل ألغام ينتظر ميقاتي الذي يقول عنه عارفوه إنّ أكثر ما يبرع فيه هو الرقص بين التناقضات. فهل يكون الرقص كافياً لنجاح مهمّته في تنفيذ الشروط السياسية لعواصم القرار، والشروط الاقتصادية لصندوق النقد الدولي؟