ميقاتي يحضر من باب التفاوض مع إسرائيل... فما دوافعه؟

مع أن دائرة المشاركة في ورشة النقاش المحتدم حيال الدعوة إلى فتح باب التفاوض مع إسرائيل كمقدمة ضرورية لطي صفحة ما بعد حرب إسناد غزة وتداعياتها الكارثية المتوالية فصولا، كانت واسعة جدا إلى درجة أن أحدا لم يدل بدلوه فيها، فإن ما أطلقه الرئيس نجيب ميقاتي من مواقف قبيل أيام في هذا الخصوص، كان له دلالات، انطلاقا من أن ميقاتي بدا بعد خروجه القسري من رئاسة الحكومة، كأنه يمهد لخروجه من كل الحياة السياسية. وعزز ذلك الانطباع إعلانه أخيرا عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، في حين سرت أحاديث عن تقليص نشاطاته في مدينته طرابلس. كما أن الرجل كان مقلا في إطلالاته الإعلامية، على رغم تزاحم الأحداث العاصفة.

وكان طبيعيا التمعن في الأبعاد والدوافع التي حدت بميقاتي على اختيار المنية محطة يطلق منها مواقفه السياسية المثيرة تلك، وقد تعددت التفسيرات، إذ ثمة من رأى في تلك المواقف ما يمكن اعتباره مبادرة من ميقاتي غايتها المضمرة تقديم أوراق اعتماد وطلب انتساب إلى المرحلة المقبلة التي يفترض تلقائيا أنها تحمل مواصفات جديدة، ولاسيما أن ميقاتي لم يغادر مختارا سدة الرئاسة الثالثة. ولكن رغم "مرارة الحدث"، لم يُقتل على ما يبدو "طموح" العودة إلى الرئاسة الثالثة في نفس ميقاتي، مع أنه يحرص في لقاءاته الضيقة على نفي هذا الطموح عنده.

ولأن ميقاتي، في رأي قسم من الداخل، هو من "غطى" مرحلة حرب الإسناد وما قبلها، فضلا عن أن حكومته هي من أقرّت اتفاق وقف النار، كان يتعين عليه أن يقدم أدلة تثبت على نحو أو آخر أنه بدأ "يتحلل" من موجبات المرحلة الماضية التي تصعب عودتها.

لذا كان لزاما عليه أن يقدم طرحه الأخير الذي بدا مفاجئا، وهو وإن كان عبارة عن "تغريد داخل سرب فضفاض" فتح باب النقاش والسجال حول الذهاب إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل، إلا أنه شاء أن يكون طرحا متميزا. وقد تجلى ذلك عندما أكد في خطاب المنية، الآتي:

-   أن يبادر لبنان بكل طيبة خاطر إلى "تلقف" تلك الدعوة ويذهب إليها ذهاب المقتنع بضرورتها له، وليس ذهاب المكره على المضي إليها.

-   شدد على الإسراع في قرار الذهاب، كتحذير ضمني من اللجوء إلى المماطلة والتلكؤ "لأن لذلك الفعل مخاطره".

-   لم يشأ ميقاتي "التمويه والباطنية" عندما لم يشدد في خطابه على نوعية التفاوض، وهو يفضل أن يكون مباشرا أو غير مباشر، فقد اختار وفق المتصلين به عن سابق وعي أن يبقى باب هذا الأمر مواربا لأنه يركز على مسألة جوهرية عنده هي أن يكون التفاوض مرتكزا على قاعدة اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل، المبرم عام 1949، وهي الاتفاقية التي أمنت سلاما حدوديا مقبولا بين البلدين استمر حتى عام 1965، مع ضرورة الأخذ بمتغيرات فرضت نفسها على المشهد الحدودي أخيرا. وينفي هؤلاء أن يكون عرض ميقاتي ناجما عن رغبة في "إثبات الحضور والبقاء في المشهد" بقدر ما هو مشاركة منه في الجهود الرامية إلى إخراج البلاد من "المأزق" الحقيقي.