نتنياهو يربط انتهاء الحرب بتحقيق الأهداف لا بالتواريخ... واقع يفقد الحزب قدرة التحكم

على وقع مشاهد الدخان المتصاعد من الأبنية المستهدفة بالصواريخ الإسرائيلية وتدمير قرى عن بكرة أبيها في الجنوب اللبناني إلا أن إسرائيل بدأت الترتيبات لإنهاء الحرب على الجبهة في الجنوب في خلال أسبوعين أو ثلاثة على أبعد تقدير. ووفقا للقناة 12 الإسرائيلية هناك احتمال للتوصل إلى اتفاق على الجبهة الشمالية في غضون 14 يوما.

بالتوازي، تصاريح لا تبشر بدورها بانتهاء العمليات العسكرية. فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي أقال أمس وزير دفاعه يواف غالانت، بما تعنيه الإقالة في هذا التوقيت بالذات،وأثناء جولة على الحدود مع لبنان الأحد الماضي تعهّد باستعادة الأمن في الشمال "باتفاق أو من دونه". وشدد على التزامه بما أسماها قطع أنابيب الأكسجين عن حزب الله من إيران عبر سوريا، وأن دفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني هو أمر أساسي بغية السماح لمستوطنيها في الشمال بالعودة إلى مساكنهم.

والسؤال المطروح حاليا هل تعيد إسرائيل نشر قواتها وتمركزها بما يتناسب والأهداف التي تم تحقيقها أو يصار إلى تعميق العملية العسكرية داخل الأراضي اللبنانية فيما يسمى الخط الثاني؟

مصادر في المركز الجيوسياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقول لـ"المركزية": "من الواضح أن حكومة نتنياهو في اسرائيل تربط مسار الحرب بنتائج سياسية بعيدة المدى، وليس فقط بالنتائج العسكرية الميدانية وبالأهداف المباشرة التي حققها أو يمكن أن يحققها الجيش الإسرائيلي. ففي غزة، لا تكتفي القيادة السياسية الاسرائيلية بتفكيك البنية العسكرية الاساسية لحركة حماس واضعافها، وقتل قادتها، وإنما تسعى الى فرض ظروف لوجستية واجتماعية وخدماتية وإدارية ومعيشية تجعل من الحياة في غزة شبه مستحيلة بعد انتهاء الحرب. وبالتالي فإن تأمين ظروف الحياة من جديد في غزة يتطلب مشروعا عربيا ودوليا كبيرا، سياسيا واقتصاديا، وهو ما لا يمكن أن يتحقق في ظل سيطرة حماس المتحالفة مع إيران. من هنا فإن نتنياهو يسعى الى فرض كل الظروف التي تجعل من مطلبه منع حماس من العودة الى حكم غزة، مطلبا شعبيا فلسطينيا نتيجة النقمة على ما تسببت به حماس من دمار وقتل، وكذلك مطلبا اقليميا ودوليا.

في لبنان يبدو السيناريو مشابها لما هو عليه في غزة وفق مصادر المركز الجيوسياسي. "فالجيش الاسرائيلي الذي اغتال قيادة حزب الله السياسية والعسكرية والأمنية، ومعظم كوادر الصف الثاني، والكوادر الميدانية، يقترب من إقامة حزام من الارض المحروقة بعمق يراوح بين 3 و 5 كلم داخل الاراضي اللبنانية، بعدما دمّر البنى التحتية العسكرية واللوجستية لحزب الله، ودخل كل أنفاقه ومستودعات ذخيرته في المنطقة، وكشف المنطقة بتدمير المنازل على نحو لم يعد باستطاعة قوات الرضوان استخدامها للانطلاق باتجاه خرق الحدود الى العمق الاسرائيلي. كما وجه الجيش الاسرائيلي ضربات للبنية العسكرية لحزب الله في الأعماق اللبنانية شمال الليطاني والضاحية الجنوبية والبقاع من أقصى الغرب الى الهرمل.

لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن نتنياهو يريد الذهاب بعيدا عبر خلق واقع ميداني واجتماعي ولوجستي وخدماتي يحول دون قدرة حزب الله على التحكم بالواقع اللبناني سياسيا وعسكريا وأمنيا. وهو يوسع دائرة استهداف حزب الله، ليشمل كل بيئته الحاضنة من خلال تدمير مدنها وقراها على مساحة لبنان، وتهجير اهلها، وتدمير كل الشبكة الخدماتية التي كان حزب الله يديرها لضمان السيطرة والولاء من مستشفيات ومدارس ومستوصفات، ومساعدات غذائية، وتفكيك منظومة حزب الله المالية والتجارية، وقطع طرق التواصل داخل لبنان، واقفال طرق الامداد الخارجي للحزب برا وبحرا وجوا بين ايران ولبنان عبر العراق وسوريا وغيرهما.

وبحسب المصادر فإن قرار الجيش الاسرائيلي إنشاء وحدات عسكرية مضادة للدروع يتم تسليحها من الصواريخ التي غنمها من حزب الله، يدل على أهمية هذه الصواريخ كما ونوعا وهي تُقدَّر بالآلاف.ومجرد حصول اسرائيل على هذه الصواريخ سيسمح لها، إضافة الى استخدامها عسكريا، بالتعرف إلى "أسرار" الصناعات العسكرية الايرانية مما يساعدها في تطوير التكنولوجيا الخاصة بالتصدي لها، وبتجهيز دباباتها وتصفيحها على النحو الذي يمكنها من مقاومة هذه الصواريخ.

في الخلاصة، ثمة استنتاجات وفق مصادر المركز الجيوسياسي، أبرزها أن الكمية الكبيرة من الصواريخ المضادة للدروع التي غنمها الجيش الاسرائيلي من حزب الله في الجنوب تُظهر جانبا من مدى الخسائر التي لحقت بقوة حزب الله الصاروخية. إضافة إلى تحول الحزب من قوة استنزاف للجيش الاسرائيلي الى "مصدر" للسلاح والذخائر، بدل ان يسلّم هذا السلاح الى الجيش اللبناني.

وتكشف المصادر أن عملية خطف عماد أمهز في البترون تؤشر الى إمكان توسيع العمليات العسكرية لتشمل الامكانات البحرية التابعة لحزب الله، في المجالين المدني والعسكري بعدما كانت العمليات العسكرية في معظمها تتركز على أسلحة البر والجو مع إسناد محدود لسلاح البحرية.

نتنياهو يربط انتهاء الحرب بتحقيق الأهداف وليس بالتواريخ، مما يعني أن إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله قد يتحقق قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية بات وراء الحدث. فالضربات الإسرائيلية المستمرة وبعنف على القرى والبلدات الجنوبية وصولا إلا الساحل الجنوبي عبر قصف إحدى المباني في منطقة الجية وبرجا حيث فاق عدد الضحايا العشرين، تؤكد أن لا وقف لإطلاق النار والساعات القليلة المقبلة ستحدد إسم الرئيس الأميركي الجديد السابع والأربعون الذي يدخل البيت الأبيض وأيضا مسار الحرب.

فإذا فاز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ستكون أمام نتنياهو "فترة سماح" لنحو ثلاثة أشهر، سبق لترامب نفسه ان تحدث عنها بقوله لنتنياهو: "عليك انهاء الحرب والقيام بما تريده قبل أن أتسلم الحكم".

وإذا فازت مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، سيسعى نتنياهو إلى توسيع دائرة الأمر الواقع الميداني في لبنان وغزة والضفة الغربية، وربما يشمل ذلك سوريا والعراق، لإضعاف الأذرع الايرانية والوصول الى مرحلة المفاوضات بعد تسلم هاريس مسؤولياتها في ظل أقوى وضع تفاوضي ممكن لاسرائيل، وأضعف وضع ممكن لإيران تختم المصادر.