نتنياهو يرد الصاع في سوريا وربما لبنان لاحقا... جولة "استعراضية" وكلمة الفصل في واشنطن

زيارة غير عادية في المكان والزمان وحتى في الشخصيات السياسية والعسكرية التي شكلت عناصرها. ففي خطوة لافتة جال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برفقة وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ووزير الخارجية جدعون ساعر، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الفريق إيال زامير ومسؤولين سياسيين وعسكريين  في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل وتحديداً في المنطقة العازلة في سوريا وأجرى مناقشات أمنية.

هكذا ورد في الخبر الذي نشره مكتب نتنياهو عبر موقعه الرسمي مع توثيق الجولة بالصورة والصوت التي تضمنت مراقبة القطاع ولقاء مع الجنود والإشادة بنشاطهم خلال الحرب والحفاظ على الأمن في المنطقة".

مفاعيل الزيارة لم تمر بسلاسة بدءا من الداخل السوري حيث أدانت وزارة الخارجية السورية الزيارة بـ"أشد العبارات"، واعتبرتها "انتهاكاً خطيراً لسيادة سوريا ووحدة أراضيها". وأشارت أنها  تُمثل "محاولة جديدة لفرض أمر واقع يتعارض مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتندرج ضمن سياسات الاحتلال الرامية إلى تكريس عدوانه واستمراره في انتهاك الأراضي السورية". وعليه جددت سوريا مطالبتها الحازمة بخروج الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي السورية مع التأكيد بأن جميع الإجراءات التي يتخذها الاحتلال في الجنوب السوري باطلة ولاغية ولا يترتب عليها أي أثر قانوني وفقاً للقانون الدولي". ودعت دمشق المجتمع الدولي لـ"الاضطلاع بمسؤولياته وردع ممارسات الاحتلال وإلزامه بالانسحاب الكامل من الجنوب السوري والعودة إلى اتفاقية فض النزاع 1974".

أهداف الزيارة التي جاءت بعد أيام معدودة على زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع واشنطن حيث استقبله الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحفاوة لافتة تأتي على خلفية تعثر مفاوضات توقيع اتفاقية أمنية بين إسرائيل وسوريا، خصوصا أن إسرائيل رفضت طلب الرئيس السوري أحمد الشرع  بانسحابها من جميع النقاط التي احتلها الجيش الإسرائيلي في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، إلا بعد التوقيع على اتفاقية سلام شاملة مع سوريا وليس اتفاقية أمنية، وهذا غير وارد من الجانب السوري في المدى القريب. والولايات المتحدة تعلم ذلك وقد وضعها الشرع في هذه الأجواء خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن.

 فهل تكون الزيارة "الإستعراضية" التي قام بها نتنياهو والوفد العسكري الرفيع والسياسي إلى المنطقة العازلة في سوريا مقدمة للضغط على سوريا -الشرع للتوقيع على اتفاقية السلام ولاحقا لبنان من خلال احتلال جزء من أراضي الجنوب التي أطلق عليها إسم المنطقة العازلة؟.

الخبير العسكري العميد المتقاعد خالد حماده يعتبر أن "كل ما يقوم به نتنياهو يندرج في خانة ردود الفعل على مسارات وقف إطلاق النار التي فرضتها الولايات المتحدة سواء في غزة أو جنوب لبنان أو سوريا. فما يحصل يتابع حماده لـ"المركزية" لا يتلاقى تماما مع طموحات نتنياهو إذ كان يعتقد أنه مع نهاية هذه الحرب سيكون ربما شرطي المنطقة أو الحليف الوحيد للولايات المتحدة والتي ستفرض مجموعة من التوافقات تجعل منه قطباً أساسياً دون سواه في المنطقة".

ومن ردود الفعل الأخرى التي دفعت نتنياهو للقيام بهذه الزيارة غير العادية، "التقارب السعودي- الأميركي الذي بدا واضحا من خلال الاتفاقات التي وُقّعت خلال زيارة ولي العهد الملك سلمان إلى واشنطن ولقائه الرئيس ترامب حيث أعلن عن تزويد السعودية بمقاتلات إف 35 والمملكة العربية السعودية هي الشريك الأكبر من خارج الناتو، إضافة إلى التقارب التركي-الأميركي. والأهم من كل ذلك ما ورد في المشروع الأميركي في شأن غزة والذي أشار بشكل واضح إلى مسألة "حلّ الدولتين".

مما تقدم يؤكد حماده "أن كل ما يقوم به نتنياهو يندرج فقط في خانة ردود الفعل التي تعبّر بشكل واضح عن تخبط في الداخل الإسرائيلي. فالولايات المتحدة تريد إرساء الاستقرار في المنطقة بشروطها وهي لا تتطابق مع الشروط الإسرائيلية. فالولايات المتحدة تريد الحفاظ على الدول وإقصاء الميليشيات وأن تكون هذه الدول مؤاتية لسياستها. باختصار هذه هي الإستراتيجية الأميركية. ومن نافل القول أن إسرائيل تحاول فرض مناطق عازلة أو أي إجراءات أمنية في سوريا أو لبنان. هذا كلام بعيد من المنطق".

ويوضح" ليس نتنياهو من يرسم الحدود النهائية لإسرائيل ويخطط لإقامة المناطق العازلة. من يقوم بذلك هي الولايات المتحدة. لذلك ليست المسألة أن اليوم سوريا وغدا لبنان، فالولايات المتحدة تريد سوريا قوية وخارج المدار الإيراني وتريدها كذلك موحدة بدليل أنها تقف أمام أي مشروع شق طريق بين إسرائيل وجبل الدروز في سوريا، كما ألزمت المكوّن الكردي بالإنضمام إلى الدولة السورية. وهذا يُثبت أن الولايات المتحدة تسعى إلى دول مستقرة لأن المنطقة في حساباتها هي عبارة عن متحد اقتصادي ومتحد أمني، وبالتالي فإن كل ما يقوم به نتنياهو هو تعبيرعن إحباط ما، ولن يؤدي إلى أي نتيجة بغض النظر عن استمرار العدوان الذي تقوم به إسرائيل على جنوب لبنان أو في سوريا".

ويتوقف حماده عند مسألة المقاربة بين الحالتين السورية واللبنانية ويقول" المقاربة بينهما لا تجوز، ففي سوريا هناك اتفاق لوقف إطلاق النار والأعمال العدائية وقد طُبِّق منذ العام 1974، أما مسألة توقيت الإنسحابات فغير واضحة حتى الآن كما أن هناك ترسيماً لمناطق منزوعة السلاح إلى حد ما منذ توقيع الإتفاق. أما في لبنان فهناك اتفاق بموجب الـ1701 مع الإبقاء على الحدود كما هي وعلى التفاوض في البند الأخير من وقف إطلاق النار على النقاط المتنازع عليها".

ويختم حماده" خارطة النفوذ في المنطقة أميركية بامتياز ولن تكون إسرائيلية بتاتا. وما يقوم به نتنياهو هو إجراء إسرائيلي وليس باستطاعته التأثير على الحل النهائي الذي تسعى الولايات المتحدة إليه".