نحن في قلب العصفورية دولة الرئيس!

كتب المحرّر السياسي:

"تتفوّق هذه السلطة على نفسها، بتحرّكاتها، بقراراتها، بإدارة شؤون البلاد وبكل ما تقوم به، ما يرتدّ بنتائج كارثية على الشعب وحده.

وقبل أن يحذّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الوصول الى العصفورية، نطمئن دولة الرئيس أن تصرفات الطبقة الحاكمة ومنها حكومته، أوصلتنا إليها ونحن نعيش فيها أسوأ أيامنا.

ثلاثة أحداث نهار الثلاثاء (أمس) كفيلة  بتفسير "العصفورية" التي نعيش فيها بعيدًا من الدولة ومقوّماتها ومؤسّساتها.

ققد أعاد أمين عام "حزب الله" بالأمس تذكيرنا بأن الحرب قادمة رغم أنه خفّف نسبة حدوثها إلى الـ50 بالمئة، إلّا أنه دعا للتحضير لها، مجددًا نظرية "لا أعلم"، وقال حرفيا: "لسنا متأكدين أنّنا ذاهبون إلى حرب. قد نشهد استهدافاً موضعياً ورداً يناسبه، والأمر مرتبط بردّ الإسرائيلي الذي قد يدحرج الأمور للحرب"، ولم يشرح لنا نصرالله كيفية التحضير ومقوّمات الصمود في هذه الحرب في بلد أصبحنا جميعنا فيه مقاتلين، لكن على لقمة الخبز وتأمين أقل مستلزمات الحياة، كما لم يشرح لنا نصرالله أيضاً توقيت اتخاذ القرار بالعمليات موضعية كانت أم شاملة ومن فوّضه القيام بها، وهل سيعلمنا بها أو سيتركنا لمصيرنا كما العادة؟ والسؤال الأهم هل سأل الشعب اللبناني وشركاءه في الوطن إذا كانوا يريدون هذه الحرب أم لا؟

طبعاً أسئلة كثيرة لم ولن يجيبنا أحد عليها، وخصوصاً من يصادر أهم قرار سيادي في الدولة منذ سنوات وهو قرار الحرب والسلم، وما على الشعب اللبناني المتروك سوى انتظار قرارات المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية وتحمّل تبعاتها.

أما الحدث الثاني، فقد كان هناك إجماع لبناني نادر على وصفه بالمسرحية، وهو عملية الدهم المضحكة التي قامت بها مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون لمصرف لبنان لملاحقة الحاكم  "الشبح" العاصي عن العثور عليه منذ أشهر، ولا عيب في بعض فقرات الكوميديا ضمن العصفورية اللبنانية، لكن هذه الكوميديا تتحوّل إلى سوداء ومؤذية إذا كانت على أوجاع الشعب، وهذا ما حدث بالفعل، بعد أن أراد أحدهم توجيه رسائله السياسية الى آخر، عبر القضاء، فضرب بهذه الفعلة ثلاث مؤسسات بضربة واحدة.

وما حدث بالأمس في هذا المجال لا يمكن أن يقبله منطق قانوني ولا سياسي، فبالقانون، يدرك المبتدئون وليس القضاء انه لا يمكن لقاضٍ تنفيذ مداهمة في منطقة ليست في مجال عملها، كما أن الجميع يعلم أن الدخول إلى مؤسسة مصرف لبنان لا يكون إلّا عبر قرار قضائي وليس عبر استعراضات واهية.

وأصبح من غير المقبول استمرار هذا الاستخفاف بعقول الناس، وإظهار أن رياض سلامة يلبس "طاقية الإخفاء" وأن أجهزة الدولة مجتمعة قضائية كانت أم أمنية تعجز عن العثور عليه.

وأضحى لزاماً أيضاً على المسؤولين في السلطة وقف هذه الرسائل المدمّرة بين بعضهم البعض، ولم يعد مسموحاً تدمير المؤسسات من أجل تحسين شروط تحاصصية أو الحصول على وزارة بالزائد وتوريط الشعب وزيادة أزماته.

والسؤال عن نتائج هذه المسرحية، وماذا حصلّ من أراد توجيه الرسائل سوى شلل مالي جديد، تمثل في إضراب موظفي المصرف حتى النهاية وبالتالي توقفت معه جميع المعاملات المالية، ومنصة تبادل الدولار ووقف موافقات الاستيراد وزيادة الأزمة في الداخل؟

وانتقالاً إلى الحدث الثالث فهو تمثل  بتوقيف راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة، والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية، في الطائفة المارونية المطران موسى الحاج، على الحدود والتحقيق معه، وحجز جواز سفره والاموال والمساعدات التي ينقلها، وهو أمر لم يحصل تاريخياً سوى في ايام جمال باشا الجزار، عندما كان يتم التنكيل برجال الدين المسيحيين، علماً انها ليست المرة التي يدخل فيها المطران الى لبنان، ومعرف مجال عمله ومكانه، وهناك فصل تاريخي بين الامور الدينية وخدمة الرعايا الموجودة في الاراضي المقدسة، والعلاقات السياسية بين الدول، والمطارنة لم يتوقفوا يومًا عن زيارة رعاياهم في الاراضي المقدسة، بالاضافة الى زيارة البطريرك مار بشارة الراعي الشهيرة، والأمر لا يتوقف عند الطائفة المسيحية، انما يتخطاها الى الطائفة الدرزية، وعادة ما تفتح الحدود امام المشايخ الدروز للمشاركة في نشاط ديني هناك.

هذا ولا يمكن تفسير الصمت الرئاسي و "العوني" أمام هذه الحادثة سوى أنها تدخل ضمن سياسة الرسائل السلبية الى بكركي، وانضمام "التيار" الى حليفه "حزب الله" عبر هذه الرسائل للاعتراض على المواقف السيادية التي تطلقها بكركي ولا تناسب حزب الله واتباعه.

وفي المحصلة بدل العمل ومضاعفة الجهود لمحاولة إيجاد أي حل يخفّف من الأزمات المتصاعدة، تتلهّى المنظومة في توجيه الرسائل الى بعضها البعض فتصيب بها الشعب اللبناني".