المصدر: أساس ميديا
الكاتب: وليد شقير
الثلاثاء 16 أيلول 2025 08:00:55
يتعدّى الرمزيّةَ سحبُ السلاح الفلسطيني الثقيل التابع لحركة “فتح” ومنظّمة التحرير الفلسطينية من المخيّمات. له أبعاده السياسية المحلّية والخارجية، في هذه المرحلة من التحدّيات اللبنانية والفلسطينية. أبرز هذه الأبعاد تخفيف الضغوط الأميركية والخارجية عموماً على لبنان للإسراع في تطبيق حصريّة السلاح بيد الدولة.
للخطوة مفاعيل غير مباشرة في الخضمّ الإقليميّ والدوليّ. سبق توقيتُها القمّةَ العربيّة الإسلاميّة للردّ على استباحة بنيامين نتنياهو المنطقة بقصفه الدوحة. وتواجه المنظومة العربيّة المنطق الإسرائيليّ الإلغائيّ لمنظّمة التحرير، لا لـ”حماس” وحدها. يرمز توقيت مضيّ المنظّمة بسحب سلاح مخيّمات لبنان إلى انحيازها لخيار الدبلوماسيّة لتحقيق الدولة الفلسطينية، قبيل انعقاد مؤتمر نيويورك برئاسة سعوديّة فرنسيّة للاعتراف بها.
يتدرّج تسلّم الجيش اللبناني سلاح المخيّمات الفلسطينية، ويتمّ الإعداد لكلّ مرحلة بعيداً من الضجيج الإعلاميّ إلى يوم تسلّمه. يتوخّى لبنان الإنجاز من دون توتّرات ميدانيّة، وأن يكون نموذجاً للتعامل مع سلاح الميليشيات اللبنانيّة، يتقدّمها “الحزب”. ويبقى أن تدفع الخطوات المقبلة “حماس” للانسجام معها.
تغييرات في “فتح”
منذ انطلق جمع السلاح من مخيّم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية، في 21 آب الماضي، خيّمت الانطباعات المتشكّكة في جدّيّته. تأجّل منذ منتصف شهر حزيران الماضي لضعف الإعداد له، لا سيما من قبل حركة “فتح” التي تردّد بعض كوادرها بتنفيذ أوامر الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس واتّفاقه مع نظيره اللبناني جوزف عون إبّان زيارته بيروت في 21 أيّار الماضي. كانت كمّية السلاح المُسلَّم متواضعة. أعقبتها المرحلة الثانية في 28 آب حين جرى تحميل بضع شاحنات من مخيّمات في الجنوب.
ساهم عاملان في استئناف الجمع: التغييرات القياديّة في حركة “فتح”من جهة، وتولّي رئيس الحكومة نوّاف سلام ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السفير رامز دمشقيّة وقيادة الجيش الاتّصالات الهادئة مع الفلسطينيّين بعيداً من الأضواء.
تتعدّد المفاعيل السياسيّة للخطوة، إلى جانب الارتياح الذي تتركه لدى سكّان المخيّمات الذين ضاقت شريحة واسعة منهم ذرعاً بانتشار السلاح فيها. يمكن ذكر بعضها كالآتي:
أبو مازن يُخرِج السّلاح من الصّراع مع “حماس”
– تُثبت السلطة الفلسطينية أهليّتها للانسجام مع القرارات الدولية وإعلان نيويورك دعم قيام الدولة، الذي يدين “حماس”. تمكينها لبنان من سحب سلاح المخيّمات نقطة في مصلحتها مقابل شبه إجماع دوليّ على الحلّ السلميّ للقضيّة الفلسطينية. بهذا المعنى تساعد على تنفيذ التوجّه الغربي لإنهاء أدوار “اللاعبين غير الحكوميّين” (non state actors). كان الرئيس عبّاس دعا “حماس” إلى التخلّي عن السلاح في غزّة.
الوجه الآخر لمكاسب السلطة الفلسطينية تكشفه المداولات اللبنانية مع “حماس” في شأن تسليمها السلاح. تقول مصادر فلسطينية ولبنانية لـ”أساس” إنّ قادة “فتح” حين عاندوا قرار عبّاس في أيّار الماضي بحجّة أنّ تسليمها سلاحها، مع بقائه بيد التنظيمات المعارضة للسلطة، يخلي الساحة للأخيرة فتسيطر على المخيّمات، أجابهم: “هذا لا يهمّني. علينا نحن أن ننتهي من السلاح”.
يقتضي القول إنّ “حماس” أصيبت بحرج وارتباك خلال اتّصالات لبنان معها. أكّدت دعمها لقرار الحكومة حصريّة السلاح، لكنّها طلبت مهلة كي تقدم على الخطوة بالتشارك مع الفصائل والمجموعات الفلسطينية الأخرى (المنضوية في محور الممانعة..). التفسير اللبناني والفلسطيني لذلك أنّ قادتها انزعجوا من تفاوض لبنان مع سلطة عبّاس، بينما تسعى إلى تكريس مرجعيّة موازية لمرجعيّة “فتح” ومنظّمة التحرير.
بهذا المعنى يعزل إصرار عبّاس السلاح عن الصراع على المرجعيّة في فلسطين كما في الشتات. ولهذا انعكاساته على مداولات “اليوم التالي” في غزّة، إذ يعزّز موقف السلطة.
صدقيّة لبنان والتّفهّم الأميركيّ
– بموازاة بعض التفهّم الأميركي لحاجة لبنان إلى روزنامة مختلفة عن تلك التي وردت في ورقة توم بارّاك لحصر السلاح بيد الدولة، تثبت الدولة اللبنانية صدقيّة التزامها هذا الهدف بالإجراءات التي تتناول المخيّمات، لأنّها تمهّد لسحب سلاح الميليشيات اللبنانية و”الحزب”.
مع أنّ هذا التفهّم لم يظهر علناً، وُلد انطباع لدى المسؤولين اللبنانيّين، بعد زيارة قائد القيادة المركزيّة الوسطى (سنتكوم) الجنرال براد كوبر، أنّ هذا الأخير يدرك أنّ تمكين الجيش، ولا سيما سلاح الهندسة، يحتاج إلى دعم، بالإضافة إلى تذليل العوائق السياسية، وأبدى استعداداً لتزويد الجيش بما يحتاج إليه من برنامج المساعدات الذي أقرّته واشنطن.
يشمل تفهّم الحاجة إلى روزنامة مختلفة الجانبين الفرنسي والدوليّ (اليونيفيل) اللذين يريان تمديد المهلة لإنجاز سحب السلاح، الذي كان الجانب الأميركي حشر لبنان بوجوب أن ينتهي آخر 2025. في المقابل تقضي خطّة الجيش بأن تنتهي المرحلة الأولى جنوب الليطاني في ذلك التاريخ.
استجاب الجنرال كوبر من زاوية اختصاصه، ولو أنّه يحتاج إلى دعم من إدارة الرئيس دونالد ترامب لطلب لبنان الضغط على إسرائيل لكي تنسحب من مواقع جنوبيّة، مقابل إجراءات الجيش لتفكيك البنية العسكرية لـ”الحزب” جنوباً ولسحب سلاح المخيّمات. أحال الطلب إلى عمليّة تفعيل لجنة “الميكانيزم” الخماسيّة لعلّها تحقّق خطوات إسرائيليّة مقابلة.
يأمل الجانب اللبناني أن تنضمّ جهات عربية إلى التفهّم الأميركي والفرنسي لحاجة البلد إلى تمديد مواقيت سحب السلاح. بدوره عكس الموفد الرئاسي الفرنسيّ جان إيف لودريان التفهّم الذي تبديه باريس للحاجة إلى المزيد من الوقت للاستكمال.
بهذا المعنى يشكّل سحب السلاح في المخيّمات وجنوب الليطاني “سلاح” الرئيس عون في مداولاته مع القادة الذين التقاهم وسيلتقيهم في قمّة الدوحة العربية الإسلامية، ثمّ أثناء رئاسته وفد لبنان إلى مؤتمر نيويورك وأعمال الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة لإقناعهم بجدّية لبنان في تنفيذ اتّفاق 27 تشرين الثاني 2024 لوقف الأعمال العدائية.
نزع حجّة “الحزب” وارتباك “حماس”
– لا تخفي الأوساط القريبة من الرئيسين جوزف عون ونوّاف سلام أنّ سحب السلاح الفلسطيني ينزع حجّة لطالما ردّدها “الحزب” في حوارات الغرف المغلقة، بأن “اسحبوا السلاح الفلسطيني أوّلاً”. وهي حجّة تكشف أنّ التبريرات العلنيّة بأنّ سلاحه ورقة ضغط على إسرائيل كي تنسحب، أو للدفاع عن الجنوب، شكليّة وغير مقنعة.
كان “الحزب” طلب إلى “حماس” الحليفة له ولإيران أن تربط تسليم سلاحها بموقفه. حصل ذلك قبل زيارة الرئيس محمود عبّاس في 21 أيّار الماضي. لكنّ هذا أوقع “حماس” ومعها بعض تنظيمات أخرى في الارتباك. حجّتها أنّها تفضّل التجاوب مع الدولة بالاشتراك مع فصائل أخرى لم تلقَ تجاوباً من الأخيرة، لأنّ لكلّ منها موقفه من المسألة.