المصدر: المدن
الكاتب: مايز عبيد
الاثنين 10 آذار 2025 00:44:38
مع اشتعال المواجهات الدامية في مناطق الساحل السوري شهد شمال لبنان موجة نزوح سريعة ومباغتة باتجاه عكار وقراها الحدودية وتحديداً القرى العلوية منها. وهي موجة لم تكن في حسبان أهالي المنطقة، الذين يرددون أنهم استقبلوا كل هذا النزوح، الذي ناهز الـ 10 آلاف، بين شبان وأطفال ورجال ونساء وكبار سن، لأسباب ودوافع إنسانية بحتة وليس لأسباب طائفية ومذهبية كما يُشاع.
لم تحصل موجات النزوح هذه المرة عبر منطقة وادي خالد كما كان في السابق. النزوح الآن مسرحه قرى في سهل عكار وتحديداً ذات الأغلبية العلوية. لعكار وطرابلس "في كل عرسٍ سوري قرص"، بحسب المثل الشعبي الذي يردده الأهالي حالياً. هاتان المنطقتان قد كتب عليهما أن يعيشا الأزمة السورية منذ بداية الثورة السورية في العام 2011 وحتى الآن، ليس فقط نزوحًا ومخيمات وضغوط، إنما أيضًا توترات، بعضها اتّخذ ويتخذ الطابع المذهبي على غرار ما يجري في سوريا.
في التفاصيل، يمكن اختصار مشهد النزوح الجديد من الساحل السوري إلى عكار، بالآتي: منذ الخميس الفائت، عائلات انتقلت بالسيارات على سقف النهر الكبير الجنوبي وجسره التاريخي، وعائلات أخرى استخدمت الدراجات النارية، وهناك من عبر مياه النهر الكبير الجنوبي الفاصل بين البلدين مشيًا على الأقدام، وصولاً إلى لبنان لكي يصبحوا في مأمن. قبل ذلك كان يحصل نزوح من الساحل السوري، لكن بأعداد قليلة جداً يمكن اعتبارها عبوراً لاشخاص ولو بطرق غير شرعية، لاسيما وأن المعابر الشرعية التي تربط عكار بسوريا لا تزال مدمّرة منذ استهدفها القصف الإسرائيلي إبان حرب إسناد غزة. أكثر من 7 قرى من الجانب السوري في محافظة طرطوس، ترتبط بحدود مع قرى في الجانب اللبناني. وانتقل العشرات من سكان الساحل السوري إلى الضفة اللبنانية في قرية حكر الضاهري، التي استقبلت العدد الأكبر من النازحين، مع قرية المسعودية. يشار إلى أن هاتين القريتين، وبجزءٍ واسع من حدودهما، لا يفصلهما عن سوريا إلا سياج أرض ومجرى النهر فقط.
تسهيلات غير شرعية
ولكي تتمكّن العائلات القادمة من اجتياز الحدود بأمان، عمد شبّان من المسعودية والحكر وبحسب مصادر لـ"المدن"، على تنظيف الحد الفاصل على النهر الكبير من الحشائش والأغصان، وفتحوا طريقًا صغيرًا يسمح بمرور الأشخاص والدراجات النارية باتجاه حكر الضاهري أو المسعودية ومنها يتوزعون أيضًا في قرى كالسماقية وتلبيرة وغيرها، فيما قصدت أعدادٌ أقل، لاحقًا، منطقة جبل محسن في طرابلس، خصوصًا من كان لديهم أقارب هناك وذلك لأن القرى العكارية لم تعد تحتمل المزيد من النزوح بحسب ما يؤكد الأهالي.
ومع ساعات الفجر الأولى ليوم السبت، عاد بعض الأشخاص إلى طرطوس، بحسب المصادر، وذلك بناءً على الأنباء التي تحدثت عن تراجع حدّة التوتر، مع سيطرة قوات الأمن السورية على الأوضاع، وإفشالها العملية الإنقلابية في مناطق الساحل.
وفي حين يسيّر الجيش اللبناني دورياته بانتظام، فإن الأهلي في القرى العكارية ذات الأغلبية العلوية، يؤكدون "عدم وجود مقاتلين بين من نزحوا، لاسيما وأن علاقات طيبة تجمع مناطق العلويين في عكار مع الجوار السني، ولم تهتز هذه العلاقات البتة، منذ 2011 وحتى اليوم على عكس ما جرى في طرابلس وأحداث جبل محسن وباب التبانة". ويشددون على أنهم استقبلوا هؤلاء النازحين لأسباب إنسانية بحتة. تجدر الإشارة إلى أن قرى عكار ذات الطابع العلوي، يقطنها نازحون سوريون من الطائفة السنية منذ الـ 2011.
في السياق يلفت مصدر أمني شمالي : "إن الأمن العام ومخابرات الجيش على تنسيق كامل، وهناك متابعة حثيثة لما يجري. نحن موجودن على الأرض، ولا معلومات أبدًا عن تغلغل مقاتلين أو مسلّحين بين المتواجدين في قرى السهل أو من اتجهوا إلى جبل محسن حتى اللحظة، ونحن نرصدهم بالمعطيات والأهالي من عكار أو طرابلس، واعون ولا يريدون أي احتكاك مع المحيط السني".
مجموعة وادي خالد
ما يحصل، وإن كان مضبوطًا حتى اللحظة بقبضة أمنية، الاّ أنه يدفع إلى التخوّف من إنقلات الأمور مذهبيًا وعدم القدرة على لجمها. ويتخوّف بعضهم من أفعال ارتدادية على القادمين من سوريا أو أن حتى أن يتحمس آخرون بالدخول إلى سوريا للمشاركة في القتال. وفي السياق، خرجت مجموعة من وادي خالد – عشيرة "الغنام" في مقطع فيديو بُثّ على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعلنت عن استعدادها لمؤازرة إدارة العمليات العسكرية في سوريا. ومع أن الجيش اللبناني تعامل مع المجموعة سريعاً وقام باعتقال أفرادها، وأصدرت فاعليات وادي خالد بياناً أكدت فيه أنها إلى جانب الجيش اللبناني في كل خطواته، غير أن أحدًا لا يمكنه أن يتوقّع بقاء الوضع الأمني تحت السيطرة، إذا ما استمرت الأوضاع في الداخل السوري بانفلاشها، وقررت مجموعات من وادي خالد الدخول إلى سوريا عبر الحدود المشتركة من نواحي تلكلخ وحمص. المصدر الأمني عينه يجيب: "لا نقول أن الأمور سهلة، لكننا نؤكد إنها إلى الآن تحت السيطرة. وتردنا مواقف من مختلف الأفرقاء في الجانبين السني والعلوي من عكار وطرابلس، تؤكد التزامها الوقوف خلف الدولة وأجهزتها في تعاطيها مع هذا الملف. المشكلة أن الحدود بين عكار وسوريا واسعة جداً، تزيد عن 100 كلم، ومسألة ضبطها بالكامل تحتاج إلى عديد وتجهيزات اكبر وإلى تنسيق دائم بين الطرفين اللبناني والسوري، وهو ما ليس قائمًا بشكل متواصل".
النازحون فقراء وليسوا مسلّحين
يتحدث مختار حكر الضاهري علي العلي عن مشاهد النزوح، ويشير إلى ضغط كبير وغير متوقّع. ويضيف: "قمنا باستقبال النازحين في بيوتنا في البداية، ومع اشتداد الضغط، في المحال التجارية، فتحنا المدارس أيضاً. ومع هذا الضغط بتنا أمام مسألة إنسانية ملحّة، وقد تعاطينا مع الأمر من الجانب الإنساني البحت، وأؤكد أن الوافدين هم أشخاص عاديين ومزارعين، وأناس فقراء يحتاجون شتى أنواع المساعدة".
في المقابل تؤكد المصادر "أن حركة المنظمات الدولية لا تزال معدومة، وسط مناشدات الأهالي لها. فاعليات قرى السهل تتحرك باتجاهها، علّها تؤمّن حاجيات مثل البطانيات وحليب الأطفال وخلافه. الاّ أن المنظمات لم تبد حماسة تجاه ما يجري ومن يتواصل مع مكاتبها في القبيات يسمع إجابة واحدة: "إنها موجة عابرة".