نقاشات اليوم التالي: حماس شرطة غزة.. وأفكار لمستقبل حزب الله

على متن طائرته، سئل الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استعادة حركة حماس لنشاطها الأمني داخل قطاع غزة من خلال ظهور عناصرها الأمنية في عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين، أو في عمليات إلقاء القبض على متهمين بالتعامل مع إسرائيل. فأجاب ترامب بوضوح: "لديهم الموافقة، لأنهم يريدون فعلاً وقف المشاكل، وقد كانوا صريحين في شأن ذلك، ومنحناهم الموافقة لفترة من الوقت. علينا أن نفهم. لقد فقدوا ما يقرب من 60 ألف شخص. هذا عقاب كبير. لقد فقدوا 60 ألف شخص، والذين يعيشون الآن كانوا في كثير من الحالات صغارًا جدًا عندما بدأ كل هذا. ونحن نجعلهم يراقبون عدم وقوع جرائم كبيرة أو بعض المشاكل التي نواجهها في مناطق كهذه التي هُدمت بالكامل". يحمل موقف ترامب تحولاً أميركياً تجاه حماس، على الرغم من قوله إن واشنطن منحتهم الموافقة لفترة من الوقت. ويُضاف إليه اللقاء الذي جمع رئيس حركة حماس خليل الحية مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، وهو لقاء مباشر يحمل دلالات سياسية. 

 

قوى الأمن الداخلي من حماس 

عملياً، الموافقة الأميركية تأتي بعد اقتناع واشنطن بأنه في ظل عدم تبلور صيغة واضحة لليوم التالي في غزة، وللجهة التي ستتولى إدارتها، لا يمكن ترك القطاع مرشحاً للانفلات الأمني. وهذا ما جرى العمل عليه على مستوى دولي وإقليمي، بين الولايات المتحدة، تركيا، مصر، وقطر. وهو قد يمهد الطريق لاحقاً لما تطالب به الدول العربية والإسلامية، أي منع تهجير الفلسطينيين، وحتى عدم تهجير المنتمين إلى حركة حماس من القطاع، لا سيما أن من المستحيل فصل الشعب الفلسطيني وفرزه، على أن يستثني ذلك القيادات العسكرية الكبرى في الحركة. وبموجب هذا الاتفاق تكون حماس قد تحولت إلى قوى أمن داخلي لضبط الوضع داخل القطاع في انتظار دخول القوات الدولية أو العربية التي كان يقترحها الأميركيون، من دون أن تتوافر صيغة أو آلية واضحة لذلك حتى الآن، علماً ان هناك تدريبات لعناصر فلسطينية تتولاها مصر والأردن. وذلك أيضاً يسبق تشكل المجلس الدولي الذي اقترحه ترامب ليشرف على مجلس تكنوقراطي فلسطيني في إدارته للقطاع، على أن تكون عناصر قوى الأمن الداخلي التابعين لحماس مدموجين مع عناصر أخرى لتكوين جهاز الأمن الداخلي. 

 

الاقتتال الفلسطيني هدف إسرائيل

سينال هذا الكلام جانباً كبيراً من الجدل والسجال، في التقويمات والمقاربات، خصوصاً أن إسرائيل لا تزال ترفض ذلك. إلا أن ترامب هو الذي ضغط عليها لتثبيت وقف النار، فيما هي كانت تسعى، وعلى الرغم من انسحابها الجزئي، إلى دفع الفلسطينيين إلى اقتتال داخلي يدفع غالبيتهم إلى مغادرة القطاع. ليس من الواضح بعد كيف سيتعاطى نتنياهو مع الواقع الجديد، وإذا كان سيعمل على استئناف القتال بذرائع كثيرة، أم أنه سيكرر سيناريو لبنان في التدخل متى يشاء ويستهدف من يشاء وينفذ عمليات عسكرية ساعة يشاء. 

 

تجربة لبنان في غزة.. وتجربة غزة في لبنان

في غزة يسعى نتنياهو إلى تكرار تجربة لبنان. أما في لبنان فإن واشنطن تفكر باستسناخ تجربة غزة، وسط معلومات تفيد بأن هناك تشديداً أميركياً على ضرورة التزام لبنان بالشروط المفروضة عليه حول سحب السلاح، والذهاب نحو تفاوض مباشر مع إسرائيل، لمعالجة الملفات الأخرى ومن بينها مسألة الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، على أن يكون تدريجياً ووفق جولات تفاوضية تقنية وعسكرية وسياسية مع المسؤولين اللبنانيين، وعلى وقع التزام الدولة اللبنانية بمسار سحب السلاح. فطرح فكرة الانسحاب التدريجي ستكون مشابهة للانسحاب التدريجي الذي طُرح في غزة، إضافة إلى ضمان نتائج محققة لخطة الجيش وقرار الحكومة في حصرية السلاح. وهو ما ستشرف عليه لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الميكانيزم التي تسعى واشنطن إلى تعزيز عملها وتوسيع صلاحياتها، في ظل الإنهاء التدريجي لمهام قوات الطوارئ الدولية اليونيفيل، والبحث في إدخال قوات أخرى تحت مسميات عديدة، بينها القوات متعددة الجنسيات أو أي صيغة مختلفة. 

 

احتواء السلاح لا نزعه

أما مسألة سحب السلاح من حزب الله فلها إشكاليات عديدة، ولذلك تحاول الدولة اللبنانية حالياً طرح فكرة احتواء السلاح، أي منع إدخال المزيد من الأسلحة، ومنع نقل الأسلحة الموجودة والقيام بصيانتها، وبذلك ستصبح بلا أي فعالية. وهذا التضييق الأمني والعسكري يلاقيه تضييق من نوع آخر مالي واقتصادي، من خلال منع إدخال الأموال والمساعدات إلى الحزب، إضافة إلى منع إعادة الإعمار إلا بعد التزام الشروط كاملةً. وتوضح هذه الضغوط المقصد السياسي من ورائها، وهو دفع حزب الله إلى التجرد من سلاحه، وإن لم يتم سحب السلاح منه، إذ سيكون بلا فعالية، إضافة إلى تجفيف المنابع المالية للحزب بما يضعه أمام أزمة حقيقة مع بيئته وعناصره وعساكره. 

 

حزب الله ونموذج الحشد الشعبي؟

لكن ذلك سيطرح مشكلة لبنانية جديدة، وهي البحث عن كيفية التعامل مع كوادر وعناصر حزب الله بعد سحب سلاحه أو احتوائه. وهناك أفكار كثيرة طرحت في السابق، بينها استنساخ تجربة الحشد الشعبي في العراق، وهذه فكرة كانت مرفوضة لبنانياً ودولياً تماماً. كما رُفضت فكرة نقل سلاح الحزب إلى جهة ضامنة ومحايدة خارج لبنان. وكذلك، طُرحت فكرة دمج العدد الأكبر من مقاتلي الحزب داخل الدولة اللبنانية والأجهزة الأمنية والعسكرية. وهذا الأمر أثار اعتراضات داخلية عديدة لعدم حصول اختلال طائفي في التوازنات. ولا تزال الصورة في لبنان غير واضحة، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى غزة حيث تسيطر حماس على الأرض مجدداً بقواها الأمنية. ولكن المشهد النهائي غير متبلور بعد، إذا ما كانت عناصر حماس فعلاً ستكون مندمجة ضمن القوات الأمنية التي ستكون جزءاً من إدارة القطاع. وعلى مقلب الآخر، ولكن في سياق متصل، فإن سوريا كانت ولا تزال تعيش المعضلة إياها، سواء في ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب، أو مقاتلي الفصائل الذين يتم دمجهم ضمن المؤسسات العسكرية الرسمية. وهو ما يجري بحثه حالياً والعمل عليه في ما يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية العسكرية والأمنية.