نكبة 2005 تتكرّر: الأسد يسقط في سوريا ويحيا في لبنان؟

تتراكم الملفّات الشائكة على الساحة اللبنانية. وتحتاج جميعها إلى حلّ سريع. وعانى لبنان منذ عام 2019 انهيارات متتالية. وعلى الرغم من أهمية كلّ ملف، يبقى السلاح غير الشرعي هو علّة العلل وبحاجة إلى معالجة.

يعيش لبنان على وقع متغيّرات وبراكين سياسية وأمنية متنقّلة. ومنذ ولادة لبنان الكبير عام 1920، تتلاحق الخضّات. ولا يكاد أي عقد من الزمن يمرّ إلّا وتتبعه هزّة كبرى تكاد تطيح بالكيان.

ويُحسب على لبنان إهدار الفرص المتتالية، وإذا كانت مرحلة ما بعد الاستقلال واتّباع نظام الاقتصاد الحرّ أراحا لبنان مادياً وعاش البحبوحة، إلّا أنّ يقظة القومية العربية ومناصرة البعض الناصرية من ثمّ إلحاق البلد بركب الثورة الفلسطينية عوامل قضت على نموذج «سويسرا الشرق» وأدخلت البلد في أتون حرب أهلية عام 1975 خرج منها مرهقاً، وأتى الاحتلال السوري ليطيح بكلّ المبادئ والقيم ويكرّس سياسة جديدة ضربت المؤسّسات وأنعشت الفساد.

شكّل عام 2005 منعطفاً مهمّاً، جيش الاحتلال السوري خرج من لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وثورة 14 آذار. ظنّ اللبنانيون أن حلم التحرّر حصل، لكن الحقيقة كانت مرّة.

لم يستطع قادة 14 آذار استغلال الفرص، النكسة الأولى خروج العماد ميشال عون من صفوف المعارضة والتحاقه بمحور «الممانعة»، وسبق ذلك عدم حماسة قوى المعارضة المسيحية لإسقاط الرئيس إميل لحود. وما بين 14 آذار 2005 و 12 تموز 2006، هناك سنة وأربعة أشهر من الفرص الضائعة.

اتّبعت قوى 14 آذار سياسة مرنة ولم تستمع إلى نصيحة النائب السابق وليد جنبلاط بعدم وجود نصف ثورة، واستغلّ «الثنائي الشيعي» ضعف قوى الثورة وراهن على الوقت، وافتعل «حزب اللّه» الحرب في 12 تموز 2006 وقلب كلّ المعادلات.

ما يحصل اليوم يجب التنبّه إليه جيّداً. الفرصة الدولية لا تأتي كلّ مرّة. في عام 2005 كان الشعب اللبناني ثائراً، وحشدت قوى 14 آذار دعماً دولياً كبيراً، وكانت واشنطن مهتمة بلبنان، وبعد التلكّؤ، تغيّرت أولويّات الدول وسقط لبنان إلى أدنى مرتبة في سلّم الاهتمامات.

ويتكرّر المشهد في وقتنا هذا. هناك لحظة دولية نادرة لبناء دولة قويّة، وربما هذه الفرصة لم تكن سابقاً. محور «الممانعة» مهزوم، نظام الأسد، العدوّ التاريخي للكيان اللبناني سقط، أذرع إيران تقطّعت والنظام مُحاصر، وأميركا والمجتمع الدولي يقفان إلى جانب قيام دولة قوية في لبنان.

في مقابل كلّ تلك العوامل الإيجابيّة، نجد أن «حزب اللّه» عاد لسياسته السابقة ويرفض تسليم سلاحه ويحاول بناء قدراته، وإيران تعمل جاهدةً لإيصال الإمدادات المالية والعسكرية له وتشقّ خطوط إمداد بديلة عن سوريا، وتراهن طهران على عامل الوقت من أجل حصول تغيّر ما. والاندفاعة الدولية تجاه لبنان قد تتغيّر لأنّ الأولويات لا تبقى هي نفسها بالنسبة إلى الدول الكبرى.

يعمل رئيس مجلس النواب نبيه برّي على طريقة الـ 2005 لكي يعيد عقارب الساعة إلى الوراء وبتفويض من «حزب اللّه»، والمسؤولون في لبنان يجارون بري، لذلك يحتاج الوضع إلى صدمة إيجابية.

حلم اللبنانيون كثيراً بعد خطاب القسم، لكنّ سلوك الدولة غير الحازم يدعو إلى اليأس لعدة عوامل أبرزها: منح «الثنائي الشيعي» وزارة المال وكامل الحصة الشيعية الوزارية، عودة قسم ممّن تولى مسؤوليات سابقة إلى الحكم إما كوزراء أو كمستشارين أو ككبار الموظفين، عدم وجود جدية في محاربة الفساد، تباطؤ في التعيينات الإدارية وعدم إحداث صدمة إيجابية، وعدم وجود حزم في مصادرة السلاح غير الشرعي سواء اللبناني أو غير اللبناني.

لا يوجد بلد في العالم يشبه لبنان، يرحل الاحتلال ويبقى الحلفاء حكّاماً. سقط نظام الأسد في سوريا وبقي أزلامه في كلّ مؤسّسات لبنان، وتلقّى «حزب اللّه» ضربات موجعة ويكاد عصر إيران ينتهي، لكن هناك من يراهن في الداخل على عودة قبضة «الحزب»، وفي حال لم تتّخذ الدولة قرارات جريئة فهذا يعني سقوط كلّ الآمال التي عُلّقت على خطاب القسم وتأليف الحكومة الجديدة، عندها تعود عقارب الساعة إلى الوراء مثلما حصل عام 1982 و 2005.