المصدر: النهار
الكاتب: علي حمادة
الخميس 30 كانون الثاني 2025 07:30:43
بداية، إن الاعتذار ليس خياراً بالنسبة إلى الرئيس نواف سلام. السواد الأعظم من الرأي العام الحر في لبنان يرفضه، لأن مهمة تأليف الحكومة لا تزال ضمن المهلة الزمنية المعقولة. إذن لا داعي للهلع، وفي المقابل لا داعي ليستعجل أكلة الجيف الاحتفال بقرب اعتذار نواف سلام. ما يواجهه الرئيس سلام من مصاعب وعثرات وعراقيل وتعقيدات ليس جديداً وليس مستغرباً. فمزيج الشهوة الاستثمارية وسوء النيّة لطالما صاحب عمليات تأليف الحكومات ولا سيما في العقدين الماضيين. ولنا في عمليات التأليف الحكومية أمثلة كثيرة، من بينها التجارب التي مر بها الرئيس سعد الحريري الذي واجه إضافة إلى العنصرين اللذين أوردتهما آنفاً عنصر الخديعة والصفقات التي جرت خلف ظهره ولا سيما في التجربة الأخيرة مع الرئيس ميشال عون. في كل الأحوال، نعتبر أن الرئيس نواف سلام لا يزال حتى اليوم الخيار الأفضل لتشكيل حكومة من خارج السياقات التقليدية السابقة، ومن خارج مدرسة تأليف الحكومات الموروثة عن الوصاية الاحتلالية السورية، وابنتها الشرعية وصاية "حزب الله" الإيرانية. فرصة ذهبية يُفترض بالرئيس نواف سلام أن يقتنصها اقتناصاً لتشكيل حكومة بالتعاون مع الرئيس جوزف عون تكون على قدر طموحات للبنانيين عموماً. من جهة تعكس توجه الرأي العام الذي يحمي الرئيسين، وقوى المعارضة التي حملت على كتفيها مهمة الوقوف بوجه "الوحش" السياسي والأمني والعسكري والمذهبي القرونوسطي الذي تحكّم بالبلاد والعباد، تارة بالترهيب، وطوراً بالإرهاب، ومراراً بالترغيب. فتراوحت المواقف حيال هيمنة هذا "الوحش" بين المقاومة والاستسلام والتواطؤ.
اليوم حان أوان تغيير أسلوب التعامل مع هذه الحالة الشاذة. وبات من الواجب على القوى السياسية اللبنانية بدءاً من أعلى مرجعيات الدولة مصارحة "حزب الله" بأن زمن السلاح ولّى، وبأن ذريعة ما يسمّى "مقاومة" سقطت إلى غير رجعة وخرجت من القاموس اللبناني. لا يهم إن كان لا يزال ثمة جمهور يُستخدم مطيّة لهذه الوظيفة الإقليمية المناقضة لمنطق الدولة في لبنان والأهم أنها مناقضة لقواعد العيش معاً تحت سقف واحد. هؤلاء جرى دفعهم يوم الأحد لعل العدد الأكبر منهم يُقتل أو يصاب برصاص إسرائيل، من أجل تعزيز أجندة انتهت. أما غزوة أحياء من بيروت ليلاً التي نظمتها الجهة نفسها فانقلبت على أصحابها، حتى إن الشريك الأقرب أي حركة أمل، بإيعاز من رئيسها، هددت محازبيها بالطرد إن هم شاركوا في هذا النوع من الفعاليات السيئة والمتهورة.
ما تقدم يفيد الرئيس المكلف في سياق سعيه للعودة إلى الكتاب والمعايير الموحدة التي تحدث عنها في خطاب التكليف فلا يستسلم لمن يريدون إعادة عقارب الزمن إلى ما قبل ٨ تشرين الأول ٢٠٢٣، ولا يعتذر لأنه لا يزال قادراً على إنجاز المهمة بنجاح، بل عليه أن يخرج نواف سلام الآخر، أي المقدام والشجاع والصلب بعدالة.